مثّل الحادي عشر من فبراير بداية حقبة جديدة في التاريخ الحديث لدى الغالبية العظمى إن لم يكن لدى جميع اليمنيين, حيث يعتبر نقطة فاصلة ما بين فترة ضياع وتيه وبزوغ نجم جديد في سماء الإرادة التي آمن بها الرعيل الأول من شباب فبراير المجيد وخرجوا ليضربوا أول مسمار في نعش النظام البائس الجاثم على صدورهم لأكثر من ثلاثة عقود, وكانت هتافات حناجر أولئك الشباب هي الزلزال الذي هز عرش الطاغية فبدأ يرسل إليهم مخبريه وجواسيسه وبلاطجته للتعامل معهم مستخدماً شتى وسائل البلطجة والاختطافات والاعتداءات التي مثلت أسلوباً ترويعياً لثني تلك الكوكبة من المؤمنين بالحرية وبالوطن والثورة عن أحلامهم التي كانوا يرونها تدنو منهم أكثر من أي وقت مضى. كنتُ ولا زلت وغيري الكثير نعتبر الحادي عشر من فبراير العظيم هو كفارة الشعب عن صمته وخنوعه الطويلين لنظام لطالما مثّل أكبر وصمة عار في جبين اليمنيين طوال تاريخهم المتباعد. ولا ينكر حقيقة أن 11فبراير ثورة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني سوى جاحد أو مكابر, نظراً لأن ثورة فبراير أحدثت فارقاً في حياة جُل اليمنيين إن لم يكن كلهم. كنت كبقية شباب فبراير العظيم قد اندمجت مع أول من انطلقوا للساحات في 3 فبراير2011م في العاصمة صنعاء, ثم بداية الاعتصامات في ساحة التغيير وصدحت حنجرتي مع جموع الشباب الحالم بإسقاط منظومة الفساد التي جثمت على صدر الشعب طويلاً , وبدأت الأعداد تتزايد وكبرت ساحات الثورة واعتصاماتها المطالبة بإسقاط النظام في شتى محافظات الجمهورية ككرة ثلج, بعد أن كانت تعز قد أشعلت شرارة الثورة في 11 فبراير وأسست أول ساحة للحرية في الجمهورية. حينها انكسر حاجز الخوف لدى الجميع رغم وحشية الأساليب التي اتخذها عسكر النظام وبلاطجته في مواجهة وقمع الشباب الثائر . وبعد أن شهدتُ أول ثلاث أيام من الاعتصامات في صنعاء سافرت إلى تعز إلى مديريتي "الصلو" وكنت ألتحق كل جمعة بساحة الحرية في تعز, وفي جمعة الكرامة والتي كانت أسميت في ساحة الحرية بجمعة الإنذار قابلنا الحاج أمين عبدالله فسألنا أين أنتم ذاهبون؟ أجبنا نسقط النظام في ساحة الحرية, قال أنتم مجانين نزلتم من الصلو تخرجوا علي عبدالله صالح من الرئاسة روحوا عند امهاتكم والا دوروا لكم مهرة تنفعكم, حينها أخذه ولده مراد إلى الساحة في ورأى مالم يكن يتوقعه أو يصدقه بعد أن نظر طوفان من البشر تصدح ألسنتهم بالهتافات المنادية برحيل الطاغية فتساءل مستغرباً؟ " كل هذول ما يشتوش علي عبدالله صالح؟ أجبناه بنعم, فقال "ما عد باقي مع أبوه ما يقومش يجزع". حينها أيقنت وتأكدت أن ما نقوم به ثورة حقيقية لا يمكن لمغالط أو جاحد أن ينكرها فقد وصلت إلى قلوب وعقول كل اليمنيين........ استمريت في تعز لمدة شهرين ونيف أشارك في ساحة الحرية كل جمعة تقريباً وأعود بعدها إلى منزلي في الصلو, ثم عدتُ إلى صنعاء والتحقت بالساحة مرة أخرى وانضميت لحركة إرادة الشبابية حين كانت الاستقطابات قد انتشرت في الساحة, وكانت الأحزاب تعمل بدأب على ذلك مثنية الشباب عن أهدافهم التي خرجوا من أجلها ونجحت في ذلك إلى حد بعيد وسط تنظير عن الفعل الثوري والفعل السياسي والتسويق للحل السياسي وما تمخض بعده ما أسمي بالمبادرة الخليجية. مكثت في ساحة التغيير حتى شهر مايو وبالتحديد بعد مجزرة بنك الدم والتي كدتُ أن أسقط فيها شهيداً وشهدت سقوط الشهيد نزار هائل سلام رحمه الله مع مجموعة من الشباب الذين كنا قد قررنا فيها الزحف نحو رئاسة الوزراء كخطوة تصعيدية وتمرداً على الفعل السياسي الذي اتخذته أحزاب المشترك بالمفاوضات مع النظام الذي ثرنا ضده وكان قد انضم الكثير من أعضائه إلى ساحاتنا للإحتماء من الثورة بها. وبعد أن يئست من عدم جدوى المكوث في الساحة سافرت إلى مديريتي وكنت أتابع الأوضاع عبر التلفزيون إلا أن شيئاً بداخلي كان يجذبني ويشدني لساحات الثورة رغم كل ما حل بها من خذلانات ومؤامرات لثنيها عن أهدافها, فقررت أنا ومجموعة من الشباب وعلى رأسهم الأخ مرزوق علي طاهر بأن ننشئ ساحة حرية في مديرية الصلو على غرار الساحات التي كانت قد أنشئت في عدة مديريات بمحافظة تعز. كانت أول جمعة بعد عيد الأضحى قررنا فيها أن نصلي في ميدان مقبرة الشاعر أنا ومرزوق و18 شخصاً آخرين, أعددتُ خطبة الجمعة وأخذنا جهاز إذاعة صغير وقررنا الصلاة فيما أسميناه ساحة الحرية بمديرية الصلو. سخر منا البعض في البداية ثم قمنا بالتنسيق مع بقية القرى حتى شهدت الجمعة الثانية حضوراً وإقبالاً لا بأس به من الثائرين الشباب ومن كافة شرائح المجتمع بما في ذلك النساء في مشهد يقشعر له البدن , ويزيدنا إصراراً وقناعة بأن هذه أعظم ثورة اندمج فيها اليمنيون بكل فئاتهم العمرية وأطيافهم السياسية والاجتماعية عدا ثلة قليلة من المنتفعين من فساد النظام. كان الحاج جميل مهيوب من محبي رئيس النظام السابق بدون أي سبب أو مصلحة يرتجيها, وعندما كنا نذهب للصلاة في الساحة يبقى هو والقليل ليصلون في المسجد حتى أتت إحدى الجمع لم يجد من يصلي معه في المسجد فانضم إلينا في الساحة ورأى الناس من كافة قرى الصلو يتوافدون لأداء صلاة الجمعة حينها اقتنع أن من يصلي معهم ليسوا "طبالجة" كما كان يسميهم بل هم ثوار يملئهم وطن يحلمون باستعادته من أعدائه. الاشتراكي نت_ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة @aleshterakiNet