وزير الخارجية السابق أبوبكر القربي يحذر من عودة اليمن إلى مربع الصفر    رسميا .. ريال مدريد بطلا لليغا الاسبانية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    الرسائل السياسية والعسكرية التي وجهها الزُبيدي في ذكرى إعلان عدن التاريخي    الدوري الايطالي: مونزا يفرض التعادل على لاتسيو    تدشين أسبوع المرور العربي في عدد من المحافظات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الديوان الملكي السعودي يعلن موعد ومكان الصلاة على الأمير الشاعر "بدر بن عبدالمحسن"    الرئيس الزبيدي: نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    من يسمع ليس كمن يرى مميز    معاداة للإنسانية !    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    الحرب القادمة في اليمن    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    خبير اقتصادي بارز يطالب الحكومة الشرعية " بإعادة النظر في هذا القرار !    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمنيات الفتّاكة: رحلة اللقاء المشترك في ثورة فبراير من الإصلاح إلى الرجعيّة
نشر في الاشتراكي نت يوم 20 - 02 - 2017

ضمن ملف استعادة تفاصيل الأيام الأولى للثورة وأبرز المحطات، وبحث أسئلتها، وهو الملف الذي يفتحه موقع "الاشتراكي نت" بمناسبة الذكرى السادسة لثورة فبراير، كخطوة أولى على طريق تدوين الحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر من زواياه المختلفة، ننشر هنا تباعا الكتابات المتصلة بموضوع الثورة تحت عنوان "أسئلة الثورة وتفاصيلها".
...........
الأمنيات الفتّاكة: رحلة اللقاء المشترك في ثورة فبراير من الإصلاح إلى الرجعيّة
في الحديث عن ثورات تونس ومصر واليمن عام 2011 ملاحظة أساسيّة وهي سيادة التيار الإصلاحي ضمن القوى الحزبيّة فيها على حساب الثوري، وأكثر الحالات وضوحًا هي الحالة اليمنيّة، ولهذا نعتقد بأن نقاشها من هذه الزاوية يفتح آفاقًا مهمّة للتحليل والنقاش. وسنتناول هذا الموضوع في ثلاثة محاور: جذور النزعة الإصلاحيّة في التاريخ السياسي اليمني، يوميّات الثورة، ثم المرحلة الانتقالية من انتخاب هادي إلى حرب مارس 2015.
.............................
"أنت تقاتل كالوحش لأجل حُلمك.. وتخاف أن يتحقق!"
هانز-كريستوف نويرت
شاعر ألماني
أ- من فبراير الأول إلى فبراير الثاني: لمحة تاريخيّة
هل هناك "ثورة إصلاحيّة"؟
هذا سؤال نظري غير سهل رغم أن تناقضه الظاهري يوحي بسهولة الإجابة عليه. الجواب في نظرنا أن هذا ممكن، لأنه حصل في التاريخ، وتاريخ اليمن على الخصوص؛ فثورة السابع عشر من فبراير عام 1948 كانت فعليّا ثورة منظّمة لتغيير ممارسات النظام مع بقاء أسسه وشكله كما هو وكأن تلك التغييرات نتيجة إصلاح يقوم به النظام!.. هي حالة غريبة فعلًا ولكنها حدثت على كل حال لأسباب موضوعيّة وذاتيّة.
فشلت ثورة 48 ولكن التيّار الذي قادها استنتج أفكارًا من هذا الفشل ليس من بينها غالبًا فشل النزوع الإصلاحي مع سلطة كتلك التي "ثاروا" عليها وضرورة تبني خيارات ثورية تذهب بالعمل المعارض حتى النهاية وتغير من شكل السلطة (1) (لا نقول النظام والدولة لأن المملكة المتوكليّة يصعب وصفها بهذه الأوصاف فهي كانت أكثر تخلفا). ولهذا ليس غريبًا أن جيل ثورة 48 ذاته برموزه وبعض قياداته شارك في انقلاب نوفمبر عام 1967 الذي كان بداية الإجهاز على الطموح الثوري لجيل ثورة سبتمبر 62.
هذا الجيل الإصلاحي الذي تبنى انقلاب نوفمبر كرّس جزئيّاً كل القوى المحافظة (مشائخ القبائل والإسلاميين والملكيين) من جديد داخل السلطة بعد تصفية جزء كبير من القيادات الثوريّة المتطرّفة -وورثت القبيلةُ الإمامةَ حسب تعبيرات أبي بكرالسقّاف- ومع جدل السلطة مع المجتمع والإقليم أدى هذا إلى توسيع للقواعد المُحافظة في المجتمع وساعدت ظروف كثيرة في هذه العمليّة مثل الحرب الباردة وحرب أفغانستان ووجود دولة اليمن الشيوعي في الجنوب وحروب المناطق الوسطى ووصول صالح إلى السلطة وتحالفه مع الإسلاميين، وبعد حرب 94 تمت تصفية آخر النزعات المناقضة والنديّة أمام السلطة وأضحت المناداة بالإصلاح هي الحد الأقصى الواقعي فعلًا أمام أية قوة مُعارضة، خاصة مع ريادة قوة محافظة وهي التجمع اليمني للإصلاح لنادي المعارضة السياسية بعد لفظ النظام له في انتخابات 1997.
ترهّلت القوى السياسيّة التي تبنث الرؤى الثوريّة والتقدميّة تاريخيّا بعد الضربات والانشقاقات، ولكن وجود نظام صالح وتفاقم غطرسته تجاه المجتمع جعلت هذه الترهلات غير واضحة خاصة وأن الأحزاب اليمنيّة المعارضة في مرحلة مابعد 94 أبدت بالفعل سلوكًا سياسيّا جيدًا ومدروسًا في المسلك الإصلاحي ابتداءًا من تشكيل اللقاء المشترك وهو إحدى أهم الظواهر السياسية في العالم العربي كله، مرورًا بالانتخابات الرئاسيّة عام 2006، ووصولًا إلى الحوار مع النظام حول نظام الانتخابات والوصول الى اتفاق 23 فبراير عام 2009.
نأتي الآن إلى نقطة كاشفة في مسار لتحليل موضوعنا وهي لا تذكر عادة في الأوراق والابحاث التي تناقش مقدمات ثورة فبراير ومسارها.
نقض النظام في نهاية عام 2010 اتفاق فبراير وانسحب من كافة تعهداته بذهابه نحو البرلمان لإقرار ما يراه خلافًا لما اتفق عليه من إصلاحات في النظام الانتخابي، وهذا السلوك عمومًا كان سمة مشتركة لأغلب الأنظمة العربية التي اندلعت ضدها ثورات في عام 2011؛ فعشيّة الثورة (نهاية 2010) اتخذت هذه الأنظمة خطوات مبالغة في غطرستها بعيدًا حتى عن المراعاة الشكليّة للمعارضات والمجتمع.
أصدر اللقاء المشترك بيانًا يرد فيه على خطوة النظام، ويبدو البند الختامي من هذا البيان بعد هذه السنوات دراميّا وفيه طابع النبوءة!:
"من اجل يمن بلا جوع ولا عنف ولا خوف ودون بطالة ,, ندعو مناضلي المشترك وأنصاره وشركاءه وجميع أفراد الشعب في مختلف محافظات الجمهورية إلى هبة غضب شعبية متواصلة شاملة لا تهدأ إلا باستعادة خياراته الوطنية الديمقراطية المشروعة وحقه في التغيير وتحقيق الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وفي العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية , وحقه في مشروعه الديمقراطي التعددي وفي حياة حرة وكريمة , نزجي تحية إلى أبناء تعز الذين هبوا في أولى فعاليات الغضب الشعبي الشامل إلى الدعوة لرحيل الفساد والاستبداد كما رحل الاستعمار في عيد الاستقلال30 نوفمبر 1967م , وندعو أحرار اليمن ومناضليها في كل مكان إلى الالتحاق بالمسيرة الشعبية المتصاعدة وصولاً إلى حوار شعبي شامل لا يستثنى منه احد لنمضي جميعاً نحو التغيير والإصلاح الشامل وإعادة الاعتبار لأهداف الثورة والاستقلال والوحدة والمشروع الوطني الديمقراطي ألتعددي وفاءً لتضحيات الشهداء ومناضلي الثورة في يمن ديمقراطي موحد وعادل وحديث , فالبلاد قد عانت كثيراً من التصرفات (الغريبة والنكدية)".. الخ البيان (2)
هذا البيان كان قبل أربعة أيام فقط من إحراق البوعزيزي نفسه في تونس.. وتبدو "الشعارات" المطروحة وكأنها بروفة أولية لذات شعارات فبراير السياسية والاجتماعيّة، ولنا هنا ملاحظتان:
الأولى هي تجنّب البيان مفردة ثورة والدعوة إلى "هبّة شعبيّة"، ومن حق أي مؤرخ أن يرى فيها مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي أو أمنية بعيدة وليس دعوة حقيقيّة ناتجة عن قناعة بضرورة الاتجاه نحو الاحتجاج والانتفاض الشعبي، وسيكون لوجهة النظر هذه وجاهة عالية عند تحليل سلوك اللقاء المشترك في يوميّات الثورة.
الثانية هي أن فكرة "الإصلاح" بقيت مسيطرة حتى عند الدعوة لعمل شعبي؛ ولنتذكر سويّة أن ما دفع المشترك لكل هذا الغضب كان نقض النظام لاتفاق بخصوص النظام الانتخابي.
بعد أسابيع قليلة تحقق "الحلم" واندلعت الهبّة الشعبيّة الأضخم في تاريخ اليمن الحديث، وهنا ارتعدت قوى اللقاء المشترك خوفًا وارتبكت كما فعلت باقي المعارضات العربيّة في مصر وتونس وسوريّة لحظة اندلاع الثورة. خوف المشترك من الثورة كان في محله لأسباب كثيرة سنناقشها لاحقًا، ولكن أكثرها عمقًا هو أن الأماني في مجال السياسة حين تتحقق -وهذا أمر نادر- فإنها تحتاج استجابة حاسمة على صعيد التغيير الداخلي في المؤسسات السياسية حتى تستطيع استيعاب ذلك التحقق والاستفادة منه؛ وإلا فإن تلك الأماني المُحققة ستفتك بأصحابها وربما قبل أعدائها حتى..
وقد كان.
2- فبراير الثالث..فبراير الكبير: من الإصلاح إلى الرجعيّة
تاريخ الاحتجاج في اليمن ثري وفيه انعطافات وتطورات؛ فثورة فبراير في نهاية الأمر لم تنتج هكذا فجأة في مجتمع خامل سياسيًّا، ولكن تاريخ الاحتجاج في هذا البلد لم يوثّق بعد بالشكل الكافي عند المقارنه بمثيله المصري والتونسي.
على كل حال، كانت بدايات الثورة اليمنيّة متدرجة ومتقطعة وتشبهها في هذا الجانب بدايات الثورة السوريّة، ورغم الإطاحة ببن علي في تونس واندلاع الثورة في مصر، ورغم الدعوة/الأمنية للهبة الشعبيّة، ظهر منذ البدايات أن خيال المشترك لم يستطع استيعاب فكرة الثورة وظل أسير التوجه الإصلاحي؛ ففي الثالث من شباط دفع المشترك بمظاهرة كبيرة في قلب العاصمة صنعاء، ولكنه لم يجرؤ على الاعتصام وعاد كلٌ إلى منزله بل وعارضت قيادات فيه الشباب الذي دعا للاعتصام (3)، وهذا يعني باختصار أن المظاهرة لم تكن إلا رسالة للنظام بأن المشترك قادر على الحشد والاكتفاء بذلك كنوع من الضغط الذي اعتقدت قوى المشترك أنه كبير في ظل هلع النظام المفترض من موجة الثورة التي تجتاح العالم العربي. هذا الاستخدام للمظاهرة؛ أي الضغط لأجل الإصلاح المحدود، سيكون هو نهج المشترك وتعامله مع الثورة بعد أن فرضت نفسها، فأصبحت استراتيجية المشترك توظيفَ الثورة للضغط على النظام لأجل إصلاح ذي حدود أوسع قليلًا.
تخوّف أحزاب المشترك في بدايات الاحتجاج المتقطعة يمكن فهمها؛ وجله تخوّف أمنيّ؛ فهي تقلق مثل أي حزب على كوادرها وقياداتها، وتقلق كذلك من اتخاذ النظام خطوة تصعيديّة ما من قبلها ذريعةً لإعادة ضربها بعد أن تعافت وتخلصت من تاريخ من السحق كانت خاتمته سحق الحزب الاشتراكي بعيد حرب 94، لأنها لا تضمن تحول الاحتجاج لثورة فتجد نفسها وحيدة أمام النظام. ولهذا انتظرت هذه القوى أيامًا حتى تأكدت بأن الفعل الثوري قد كرّس نفسه وأنها تستطيع الاحتماء به، وحينها أعلنت الانضمام لساحات الثورة رسميّاً.
قبل الانضمام الرسمي كانت هناك بالتأكيد أجزاء من قواعد أحزاب المشترك بين المحتجين، ولا ندري على التحقيق إن كان ذلك أمرًا تنظيميّاً -وهذا ما نرجحه- أم مخالفة لأمر تنظيمي وذلك لغياب عمل أكاديمي يرصد تفاعلات الثورة يومًا بيوم، ولكن الواضح أن اللقاء المشترك حين ألقى بثقله كله في الساحات استطاع سريعًا إحكام القبضة عليها -وخاصة سيطرة التجمع اليمني للإصلاح على ساحة التغيير بصنعاء- في ظل ضعف وهشاشة تنظيميّة عند المحتجين غير المتحزبين، وإن كانت الهشاشة في البدايات مبررة فإنها بعد ذلك لم تكن مبررة ولا مقبولة وجرّت على مسار الثورة كوارث كثيرة وإن كانت أسبابها معروفة ومفهومة.
من هذه الكوارث استفراد اللقاء المشترك بصياغة الأجوبة على كل سؤال فرضته اللحظة التاريخيّة: ما الثورة؟ ما أهدافها؟ ما هي وسائلها؟ من يمثل المحتجين في الساحات؟ و..الخ. ومع امتداد أيام الثورة ومراوغة النظام بدعم إقليمي ودولي، حصل التطور الطبيعي في الصفة المكانيّة للساحات بانتقالها من مجرد مكان للاحتجاج السياسي إلى مكان لممارسة أسلوب حياة محتج، وهذا فرض شروط حياة ماديّة مثل الطعام والخيام والألحفة والأدوية، ومع غياب ثقافة التنظيم عند غير الحزبيين استطاع اللقاء المشترك الإمساك بخناق المحتجين المشتتين عبر رفده مجتمع الساحات بهذه الاحتياجات الماديّة، بالإضافة طبعًا إلى تشكيله للجنة التنظيميّة التي احتكرت عمليّاً تمثيل المحتجين إعلاميّاً، بهذه الاستراتيجيّة قُضي تقريبًا على إمكانيات الاستقلال الذاتي عن اللقاء المشترك عند المحتجين. وهكذا فإن العلاقة بين المشترك والمحتجين هي انتظارهم حتى التأكد من إصرارهم، ثم اللحاق والاحتماء بهم، فإحكام السيطرة عليهم والتحدث باسمهم.
اللحظة الحاسمة في مسار المشترك والثورة كان مجزرة جمعة الكرامة 18 مارس، ولا حاجة هنا لسرد عواقبها على النظام من انشقاقات في الأيام اللاحقة، ولكن الأهم فيها أنها كانت أول مرة يتكلم فيها صالح عن "الرحيل" وبدأ بعدها المراوغة إلى أن تقدم مجلس التعاون الخليجي بالمبادرة الخليجيّة في نيسان/ إبريل، وهنا قام اللقاء المشترك بإبداء الاستعداد للتفاوض مع النظام.
كثيرون هاجموا المشترك على قبوله الذهاب نحو التفاوض مع النظام، ورد قادة المشترك آنذاك بأن هذا أفضل السبل حتى لا تنزلق البلاد نحو حرب أهليّة مع التأكيد على "بقاء المسار الثوري قائمًا".
في حقيقة الأمر لا يبدو المشترك في تعليله لحقن الدماء مبالغًا، فالنظام في حال رفض المشترك لأي مفاوضات قبل رحيل رأسه ورموزه قد يستشرس ويقود حربًا لا هوادة فيها، ولكن هذا كان مجرد "احتمال"، بيد أن اللقاء المشترك روّج له آنذاك -ولا يزال بدون أي نقد ذاتي- باعتباره "حقيقة" (4).كانت هناك احتماليّة أخرى طبعا، وهي أن النظام آنذاك كانت شرعيّته قد انتهت رغمًا عن داعميه في الإقليم والعالم، وكان واضحًا مدى الضربة التي تلقاها النظام بعد تلك المجزرة والتحلل الذاتي في الحزب الحاكم بعد الاستقالات المتوالية، كل هذا ربما كان سيدفع النظام لو ضغط عليه أكثر بشراسة مُجازفة، نحو الانهيار السريع، خاصة وأن المذبحة السورية وتساهل العالم معها لم يكن واضحًا بعد، وكان خيار القذافي بالذهاب نحو الحرب معروف الرد؛ حيث صدر قرار مجلس الأمن بتدخل الناتو في ليبيا قبل يوم واحد فقط من مجزرة جمعة الكرامة (5).
هذا الاحتمال الثاني واقعي وكان سياقه مُساعدًا -ويبقى مجرد احتمال- ولكنه، تحديدًا، كان يحتاج إلى قوى ثوريّة متطرّفة في مطالبها مستعدة لوضع السلطة في الزاوية ولا تترك لها منفذًا إلا الهرب، ومستعدة لمجازفات تاريخيّة خطيرة ولنتائجها المحتملة الأكثر سوءًا: الاستعداد للحرب الأهليّة.
هنا تحديدًا بدأ التوجه الإصلاحي عند المشترك بالتحوّل المتوقع نحو الرجعيّة. فالإصلاح بحد ذاته ليس رجعيّا، بل هو دومًا في حال كان النظام مستعدًا له أفضل وأقل كلفة على الدولة والمجتمع من الثورة، ولكن فرض القوى السياسية منطق الإصلاح شديد المحدوديّة على الثورة يتسبب في أمرين:
الأول هو تحول القوى الإصلاحيّة إلى قوى رجعيّة.
والثاني هو أن الثورة لا تصبح فقط أزمة خانقة للنظام، وبل وتصبح أزمة للقوى الإصلاحيّة كذلك.
وبهذه الملاحظة الأخيرة نستطيع أن نفسر جزئيّاً واحدة من الظواهر المخزية أخلاقيّا والغبية سياسيّا في تعامل المشترك مع الثورة، حيث كان وفد المشترك يستمر في المفاوضات مع النظام رغم المجازر المتكررة بحق المتظاهرين السلميين؛ أي أنه لم يستطع فرض توقف القتل ضد من "يمثلنوهم" كشرط لاستمرار المفاوضات، وقد يُفسر هذا السلوك المشين بأفكار كثيرة مثل الضغط الإقليمي (مع معرفتنا بكشوفات اللجنة الخاصة!)، ومنها الانتهازية واستخدام دماء المحتجين كنوع من الإحراج "المفترض" للنظام، ولكننا نرى أن هذا تفسير غير كافٍ لأن المفاوضات بحد ذاتها تنازلٌ أولًا، ولأن الثورة أزمة للنظام ثانيًا، ولكن الواقع هو أن الثورة كانت أزمة المشترك كذلك ولهذا استمر في المفاوضات ولم يقم بتعليقها مؤقتًا احتجاجًا على أي مجزرة من مجازر النظام فيما نعلم.
عدم فرض شروط للتفاوض في حدودها الدنيا كان يُنبئ بالمخرجات القادمة من هذه المفاوضات؛ فإذا كانت المفاوضات بحد ذاتها تنازلًا يمكن فهمه في سياق التوجه الإصلاحي، فإن إدارتها بتلك الطريقة غير النديّة ولو في الحدود الدنيا كان دلالة على رجعيّة مستعدة لقبول أشياء كثيرة.
ظهرت معضلة الساحات مرة أخرى في الموقف من المبادرة الخليجيّة: تشكلت لجان ومجموعات واتحادات وخرجت مظاهرات على أساس من رفض المبادرة الخليجيّة -بغض النظر الآن عن واقعية مثل هذا الطرح- وكانت اللجنة التنظيميّة وقوى اللقاء المشترك تشجع هذه المظاهرات ولا ترى بها مشكلة، بل وتصوغ الشعارات عن التصعيد الثوري والزحف ورفض المبادرة وغيرها من "المخدرات الشعاراتيّة"، لأنها تعرف جيدًا أنها لن تتحول إلى ضغط سياسي، فكل هؤلاء المحتجين غير المنظمين تنظيمًا عاليًا -رغم المحاولات المتكررة للتنظيم- تحولوا من طاقة مفزعة في مطلع الثورة إلى لاعب ثانوي، وكان هذا أهم درس خرج به جيلنا من هذه الثورة: بدون تنظيم تتقهقر الطاقة السياسيّة للكتلة الاحتجاجيّة بدون أي تَناسب مع وزنها.
يبقى أمر أخير في هذا المحور، وهو التوافق الطبيعي بين الرجعيّة والمحافظة؛ فعلى الرغم من أن الثورة اليمنيّة في بداياتها كانت تعد بأشياء كثيرة، بل وبدأت فعلًا في انتاج ظواهر تجاوزت أحلام كثير من التقدميين على المستوى الاجتماعي، إلا أن سيطرة الجناح الأكثر محافظة في المشترك على تنظيم ساحة التغيير بصنعاء كبح انطلاقة هذه الظواهر ومنعتها من أخذ مداها، فأن تكون امرأة قياديّة في الثورة وأحد رموزها في مجتمع أبوي، هو تخطٍ لمكرسات تسلطية كثيرة، وقل ذات الأمر عن الاختلاط في ساحات الاحتجاج ومبيت النساء فيها.. هذه أمور لم تخطر على بال أشد المتفائلين من أبناء الجيل الذي ولد في عهد نظام علي صالح برجعيّته وتخلّفه المُرَكّب، ولكن سيطرة القوى المحافظة، بتخلفها الاجتماعي ورجعيّتها السياسيّة مع تنظيمها العالي وعدم وجود مقاومة منظمة تقدم طرحًا مختلفا وتستطيع فرضه، منعت هذه الظواهر من التراكم والتحول مع الوقت إلى انقلاب اجتماعي.. وإن كانت بذرة هذا الانقلاب قد رميت في تربة المجتمع على كل حال (6).
3- الثورة المضادة: إذا تجنبت المعارك، ستأتي إليك!
في الاحتجاجات والثورات في أوروبا الشرقيّة ضد الحكم الشيوعي والتحول نحو الديمقراطيّة ملمحٌ مهم وهو أن الأمور لم تسر كما يحلم أي "ثوري"، وهكذا حصل في تونس ومصر، وهنا نستطيع القول بحذر إن الاحتجاج من أجل الانتقال نحو الديمقراطيّة ينتج حالة سياسية تتميّز ببعد إصلاحي لا تُخطئه عين بفعل الطبيعة التوافقيّة لإدارة الدولة الجديدة وعدم انفراد قوة عسكريّة أو إيديولوجية منظمة بالسلطة، ولكن في كل هذه الحالات هناك بالطبع حدود دنيا لا ينبغي تجاوزها؛ فالإصلاح الذي يأتي بفعل ثورة مختلف في آفاقه وأدواته عن إصلاح يأتي من النظام.
الإصلاح بمقاييس النظام بعد ثورة يعني ببساطة الرجعيّة، ولهذا فالتيار المُعارض الذي وافق على سير ومخرجات المبادرة الخليجيّة في صيغتها النهائية -وليس الموافقة المبدئيّة على المفاوضات هي ملمح الرجعيّة- ليس تيارًا إصلاحيّا كما يشير بعض الكُتاب والباحثين، بل هو تيار رجعي في رأيي.
في نهايات عام 2011 اندلعت في بعض الأجهزة البيروقراطيّة والعسكرية انتفاضات داخليّة ضد قياداتها الفاسدة بصورة متسلسلة مثل إدارة المرور والتوجيه المعنوي ومطار صنعاء والقاعدة البحرية في عدن وغيرها، كانت هذه الحركات والتمردات المصغرة فاتحة مبشّرة لدولة جديدة، ولكنها أيضًا وئدت سريعًا عبر الرئيس هادي الذي انتخب في فبراير 2012 وعبر حكومة الوفاق الوطني وتحديدًا قوى اللقاء المشترك؛ فهذه التمردات كانت تعني فعليّا إعلان قطاعات بيروقراطيّة استعدادها للتحالف مع السلطة الجديدة، وهذا بالمناسبة أمر نادر في كل البيروقراطيّات العربيّة التي شهدت ثورات 2011، لأن جهاز الدولة كان في جميعها عقبة كأداء يصعُب تجاوزها بل ولعب في الحالة المصرية دورًا مهمًا في الثورة المضادة. كان رد السلطة الجديدة عبارة عن تعيينات كارثيّة مستمرّة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ولهذا توقفت بعد فترة التمردات داخل جهاز الدولة، واستطاع علي صالح مع الوقت استرداد جزء من قواعده الاجتماعيّة في المجتمع والبيروقراطيّة.
عدم استعداد اللقاء المشترك تحمّل المجازفة البسيطة في ممارسة السلطة وانجاز تعيينات لشخصيات ذات كفاءة تستطيع أن تقنع الناس ببُعد إصلاحي ما في سلوكه السياسي سبب خيبة قاسية لجميع من وقف مع الثورة حالمًا بوطن ديمقراطي وكريم وفيه قدر من العدالة، وانغمس اللقاء المشترك في الممارسة السياسية بسلوك شديد الانحطاط أخلاقيّا وعمليّا، بينما كانت منابره الاعلاميّة تخدر الناس في البداية بالقول إن من المحال عودة صالح إلى الحكم، ثم التحول للدعاية القائلة إن علينا الصبر حتى لا يعود صالح إلى الحكم.. ولكن هذه التحذيرات الصادقة في النهاية جاءت بعد فوات الأوان.
على الصعيد التنظيمي، كان نظام علي صالح القمعي يغطي على المشاكل البنيوية في القوى الحزبيّة المعارضة، ولكن تنحيه الشكلي عن الحكم فجّر أزمات هذه القوى وأخرجها للعلن: الإشكال المناطقي، الإشكال السياسي، الإشكال القروي، ومشكلة المماحكات الحزبيّة، تحلل الهويّة الوطنية داخل الأحزاب، الاضطراب في الأولويات القيميّة التي تفرض حدود العداء السياسي و..الخ.. كل هذا انفجر مرة واحدة بفعل الثورة وعدم تبني المشترك لعمليّة تغيير داخلية في البناء والأفكار ليستوعب ما حدث. استمر هذا التداعي البطيء في حين كانت قوة قروسطيّة تتقدم من أقصى الشمال نحو صنعاء، وهي القوة الوحيدة التي استوعبت ما حدث في فبراير بطريقتها الخاصة واستفادت منه منذ البدايات.
ما كان يحتاجه المشترك وبخاصة الاشتراكي والناصري هو التوجه نحو الثوريّة ومجابهة المشاكل الداخليّة المعلّقة بذريعة الصراع مع صالح، لأن الصراع بعد وصول هادي للحكم كان مع نظام صالح برمته وبكل ما يعنيه، هذا ما كان يحتاج فهمه المشترك ليسعى للسيطرة على جهاز الدولة وتصفية وجود صالح فيه، وهذا لم يكن ممكنًا بالمناسبة عبر الحوار الوطني أو غيره من "الفعاليّات"؛ فالسيطرة على البيروقراطيّة والجيش كانت المهمة الأولى بعد وصول هادي للرئاسة عبر معارك سياسيّة وبعض المجازفات المحدودة.. ولكن المشترك لم يكن مستعدًا لكل هذه المعارك لأن "مشروعه" كان مختلفًا.
قبل المشترك برئيس من داخل النظام، وقبل كذلك ببقاء رئيس النظام السابق في الداخل، وببقاء أولاده ورجالاته في مناصبهم العسكرية، وتحصين صالح ومن معه من سياسيين من المحاكمة القضائيّة، وبمشاركة الحزب الحاكم في الحكومة بالمناصفة مع المشترك.. هنا نستطيع توضيح فكرتنا أكثر عن الفرق بين الإصلاحي والرجعي:
بعد الانتفاضة البولندية ضد الشيوعية وانهيار الحكم الشيوعي، تكون نظام ديمقراطي مع حل الحزب الحاكم وإعادة تشكيل نفسه تحت مسمى آخر، وبعد الثورة وبقليل وفي الانتخابات الثانية التي شهدتها بولندا فاز هذا الحزب بالانتخابات وحكم البلاد. كما رفضت الحكومة البولندية الوليدة وصايا البنك الدولي التنموية وصممت على صياغة سياسات اقتصادية مخالفة ودخلت القوى البولندية الليبرالية في صراع ونقاشات مع الكنيسة الكاثوليكيّة التي شاركت في الانتفاضة وأرادت تقليص الحريّات الفرديّة، وفرض الليبراليون توجههم العام في النهاية مع بقاء الدور الكنسي قويّا في المجال العام.
هذه التركيبة من المساومات وعودة شكل مخفف من أشكال القوى السياسية القديمة للحكم مع وضع قواعد عامة للصراع السياسي والحقوقي في المجتمع هو ما يميّز بقية حالات التحول الديمقراطي، وهذا هو النزوع الإصلاحي بعد الثورة لأجل الديمقراطيّة.. ونقول ذات الحديث عن تونس وحزب الرئيس قايد السبسي، مع التذكير بالدستور التونسي والمساومات بين القوى التقدمية والمحافظة وتكريس الأولى للحقوق المدنية وشكل الدولة.
ما حدث في اليمن لم يكن إصلاحًا.. بل رجعيّة. وكان دخول المشترك للمشاركة في حكومة على جهاز دولة لا يزال جزءًا من نظام صالح بذلك النزوع الرجعي -وللأسف الفاسد والغنائمي- إيذانًا بانتهاء المشترك بوصفه طاقةً سياسيّة؛ فرفضه تكييف الذات مع الثورة ولو عبر تبني مطالب إصلاحية تليق بدعم ثوري، وتجنبه خوض المعارك الضروريّة جعل هذه الأخيرة في نهاية المطاف تخوض في المشترك!، لأن الثورة المضادة كانت أكثر جذريّة من المشترك ولم تقبل بالإصلاح الخفيف والمُجامل الذي طال نظامها.
هذا درس مهم في يوميّات السياسة: حين تهرب من المعارك مع النظام، تأتي هي إليك.
وصلت مرحلة انهيار المشترك كطاقة سياسيّة إلى ذروتها حين اجتاحت الحركة الحوثيّة بالتعاون مع قوات صالح العاصمة في سبتمبر 2014، ثم توقيعها اتفاقًا رجعيّاً جديدًا وهو اتفاق السلم والشراكة بدون ابداء أية مقاومة حقيقيّة أو حتى الامتناع لغرض إحراج الثورة المضادة، ويبدو أن المعارضة الرجعيّة في زمن الثورة تعني أوتوماتيكيّاً إيجاد المخرج للنظام القمعي على حساب المجتمع، لأن أزمات النظام تصبح أزماتها.
كل ما تلا ذلك من أحداث وصولًا إلى تعليق المفاوضات مع الحوثيين في فبراير 2015 ثم اندلاع حرب مارس 2015 كان مجرد تمظهرات لاحتضار هذه القوة وعدم اتساقها مع الزمن الخطر الذي تعيش فيه؛ فالإصرار على السلوك الرجعي حتى أمام قوة قروسطيّة يعني أن المجال العام انتقل قرونًا إلى الوراء، ولا يمت بصلة حقيقيّة لزمن الواقع الاجتماعي.
اندلعت الحرب، ودخلت قواعد أحزاب المشترك فيها، واعتقد البعض أن هذه الحرب ستنقذ المشترك من احتضاره السابق، ولكن الواضح الآن بعد قرابة العامين على اندلاع الحرب أن التفسخ السياسي لقوى المشترك إزداد اضطرادًا بفعل هذه الحرب وليس العكس، وانتقلت مأساة التوجه الرجعي في زمن الثورة إلى مأساة عجز المقاومة على فرض خيارات تقدميّة في زمن الحرب، والقروسطيون وحدهم هم الأكثر تنظيمًا والأفضل في التحالفات (الحوثيون والسلفيون) وشهد اليمنيون ولا يزالون ظواهر مهمة ومتشابكة على تفسخ المشترك وتحللّه السياسي في يوميات الحرب رغم انخراطه جزئيًّا فيها. على كل حال.. هذه ظاهرة متوقعة لأنها ذات القوى التي لم تستعد ولو ذهنيّا لحرب أهلية طاحنة أيام الثورة السلميّة رغم معرفتها بنظام صالح الذي استمر وقام أصلا على الحروب والقتال.. ولكنها الرجعيّة: الهرب من المجتمع ومعاركه بدعوى الحفاظ عليه.. ولكن هذا خديث آخر على كل حال.
هوامش ومراجع:
1- للاستزادة حول ثورة 1948 أنظر:
علي محمد عبده، لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين، الجزء الأول.
2- نقلنا البيان بأخطاءه الإملائية، للاطلاع عليه كاملًا، أنظر:
http://www.nashwannews.com/news.php?action=view&id=8979
3- أنظر:
مجموعة مؤلفين، الثورة اليمنيّة: الخلفية والآفاق، تحرير فؤاد عبد الجليل الصلاحي، ط1 (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أكتوبر 2012).
4- من الواجب أن نقول إن تساهل المشترك مع مجرزة جمعة الكرامة وقبولها التفاوض بغير استغلال لذعر النظام وفرض شروط مسبقة بخصوص دماء المتظاهرين أعطى تطمينات للنظام فمضى قدمًا في سحق المتظاهرين، ولهذا نلحظ أن مستوى المجازر والجرائم بعد أبريل 2011 كان يفوق كثيرًا مستوى الجرائم قبل 18 مارس، ونذكر هنا محرقة ساحة الحريّة ومجرزة القاع وغيرها.
5- لا نعني هنا طبعًا أن قوات الناتو كانت ستتدخل في اليمن، ولكن إشارة القوى الدولية أو الإقليميّة أنها قد تتدخل في حال انفجرت حرب أهلية على يد النظام كانت قد ظهرت للتو في 17 من مارس عام 2011 في ليبيا، وهذا عامل مساعد في إقلاق النظام وتخويفه من نتائج تصرفات غير محسوبة.
6- من الأمور العجيبة التي يجب إيرادها هنا -وهي من الذاكرة- إن التهديد الثوري الواضح والمزمّن من قبل اللجنة التنظيميّة في صنعاء بالزحف نحو القصر الجمهوري كان حين اختطفت قوات الأمن ممرضات من المستشفى الميداني، فقالت اللجنة إن عدم رجوع الممرضات في ظرف ساعات قليلة سيدفعهم لإعلان "الزحف". ولم تطلق اللجنة التنظيمية لا سابقا ولا لاحقًا أي تهديد مزمّن بهذا الشكل.. طبعًا مراهنات المحافظين في اللجنة (وهي لجنة المشترك الشبابية فعليا) هنا واضحة في مزايداتها وتخلفها ولعبها على الوتر المحافظ داخل المجتمع كمسبب كافِ للزحف في حين أن المجازر المتكررة لم تكن تدفع اللجنة لإصدار بيانات كهذه! ..وكذلك في معرفتها أن النظام سيطلق سراحهن على كل حال بعد وعيد كهذا.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.