يتذكر أحمد طه (40 سنة) صباح يوم 3 شباط (فبراير) 2011 عندما اخترقت ساحة صافر في مدينة تعز سيارة نقل صغيرة وعليها مكبر صوت تنطلق منه أغنية «والله ورب العرش ما نركع». قائد السيارة الذي بدا في مطلع الثلاثينات من عمره لم يكتف برفع صوت الأغنية المحظورة والموصوفة حينها بالانفصالية بل وشرع يوزع على عدد من العابرين نسخاً من صورة الزعيم اليساري الأممي تشي غيفارا لتتشكل سريعاً مسيرة صغيرة سارت إلى مبنى مكتب المحافظ لكن الشرطة واجهتها بإطلاق النار في الهواء وفرقتها. لم يكن سائق تلك السيارة سوى الشاب أيوب الصالحي الذي تجمع الروايات على أن خطوته تلك شكلت الإرهاصة الأولى لثورة 11 شباط 2011 الشبابية السلمية التي أجبرت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على التنحي عن الحكم. لكن المفارقة أن الصالحي الذي يعد من أبرز نشطاء ساحة الحرية (صافر سابقاً) ما زال منذ 12 حزيران (يونيو) 2016 ضمن قائمة المخفيين قسراً فيما يتهم أقاربه ورفاقه فصيلاً في المقاومة الشعبية في تعز باختطافه وإخفائه. هكذا حلت الذكرى السادسة ل «ثورة 11 فبراير» الشبابية مكسورة الجناح متشظية الرؤية. «فالشعلة التي كانتها الثورة خبت وباتت مجرد ذكرى مؤلمة تسببت فيها أحزاب ترى في الوطن بضاعة وجسر عبور إلى فساد لا ينقطع»، يقول ل «الحياة» عزيز سالم (32 سنة)، فيما تلفت الناشطة ثريا الشيباني إلى طبيعة النشأة العسكرية للأحزاب اليمنية بوصفها جذر تلاقي هذه الأحزاب في العداء للديموقراطية. ولئن مثلت أحزاب اللقاء المشترك (تحالف المعارضة) حينها، الإطار السياسي الداعم لثورة الشباب، بيد أن هذه الأحزاب ما لبثت أن أدارت ظهرها للشباب وبدا جلياً أن ما كان يعد في 2011 ثورة لم يكن سوى امتداد لانقسام داخل النظام الحاكم. وليس الحوثيون (حركة أنصار الله) المدعومون من إيران وحدهم من انتقلوا من ساحات التغيير والحرية ليقودوا مع الرئيس السابق انقلاباً مسلحاً أدخل البلاد في حرب أهلية هي الأسوأ منذ توحيدها في 1990، بل ثمة جماعات سياسية عدة بمن فيها قيادات في الساحات ونشطاء حقوق إنسان تشدقوا بالديموقراطية وأبدوا تصلباً من قبيل تشكيل جبهة إنقاذ الثورة، شاركوا في الانقلاب المستمر منذ أيلول 2014. وبحسب الشيباني، فإن الانقلاب الذي شاركت فيه أحزاب تخشى صناديق الاقتراع ودعمه المجتمع الدولي الذي لا يروق له انتشار الديموقراطية، استهدف أساساً الديموقراطية وليس الثورة. وتقول الشيباني ل «الحياة»: «ما لم نعمل للديموقراطية لن تتوقف الانقلابات في بلداننا»، مؤكدة أن الديموقراطية بكل هفواتها تظل البنية التحتية لازدهار المجتمعات. فيما يلفت طالب الدراسات العليا في جامعة صنعاء عماد عبدالقادر إلى «لوثة فكرية وخزان مجتمعي مشوه يجعل الديموقراطية في المجتمعات الأبوية عسيرة أو صعبة المنال». وتنتمي الشيباني، كما عبد القادر إلى فئة شبابية تحرص على مطابقة أقوالها مع أفعالها، خصوصاً في مسألة الديموقراطية. لكن هؤلاء يمثلون قلة داخل المؤسسات الحزبية المحكومة بقبضة شمولية أمنية وقبائلية. ويروي أحمد طه ل «الحياة» ما حدث معه يوم 11 شباط 2011 أثناء مشاركته في أعمال المؤتمر الخامس للحزب الاشتراكي في تعز. يقول طه: «عند المغرب علمت بسقوط حسني مبارك ونجاح الثورة المصرية فبدأت أتحرك داخل القاعة لإقناع بعض الرفاق بالخروج إلى الشارع، لكن المسؤول الحزبي الذي جاء من صنعاء للإشراف على المؤتمر، دعاني من على المنصة إلى عدم تحريض الرفاق على الخروج في مسيرة ليلية، قائلاً: «أننا في مؤتمر حزبي وعلينا التزامات أمام الجهات الأمنية». لكن طه لم يقتنع بمبرر المسؤول الحزبي «إذ رأيت أننا أمام فرصة لا تعوض وعلينا التقاط الحدث وتوظيفه لأحداث تغيير في اليمن فكان أن خرجت أنا ومجموعة من الرفاق فرأينا حشوداً تتحرك في الشارع في شكل عفوي محتفية بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك». وبالنسبة إلى الشيباني فإن الأحزاب ظلت تتوجس من الانتخابات وعينها على ديموقراطية تشاركية. وتقول: «على رغم معرفة قيادات هذه الأحزاب بأن الديموقراطية التشاركية هي انقلاب طويل الأمد على الديموقراطية الفعلية، لكنها عملياً فضلتها وبقيت تقول نصف الحقيقة وهذا أسوأ من الكذب. وبحسب باحثين، فإن تعدد الأقنعة والتضحية بالديموقراطية لازما الظاهرة الحزبية العربية منذ نشأتها مرجعين ذلك إلى غياب الطبقة البرجوازية بوصفها الحامل الاجتماعي للديموقراطية. وتقول الشيباني: «خلافاً لانقلاب العسكر على العسكر الذي اعتادت عليه الأحزاب العربية، يأتي انقلاب العسكر على الديموقراطية أكثر بشاعة وكأنه يعاقب الشعب كله على هذه التجربة ويجبره على عدم تكرارها». ومنذ اندلاع الحرب قبل أكثر من سنتين تلاشت الفوارق بين أطراف الصراع، وبات القتل خارج القانون والحجز والإخفاء القسري نهجاً للسلطات الانقلابية والشرعية على السواء. علي سالم صحيفة الحياة اللندنية قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة @aleshterakiNet