"عندما يتم إغلاق معتقل جوانتانامو، سيعرف الكثير من النزلاء إلى أين سيتجهون" في شهر آذار مارس الماضي، نشرت مواقع القاعدة الإلكترونية إعلاناً على الإنترنت ينصح أعضاءها بالتوجه إلى اليمن التي تقع في الجانب الجنوبي الغربي المنفلت أمنياً من الجزيرة العربية. وقد تمت الاستجابة لهذه الدعوة على ما يبدو. فقد نشر تجمع الإرهاب الدولي شريط فيديو يعرض الجهاديين السعوديين الفارين ومضيفيهم اليمنيين وهم يعلنون اندماجاً بين فرعيهما، بالإضافة إلى عرضه صوراً للتدريب على القتال في جبال اليمن الوعرة. ومن المحتمل الآن أن ينضم أصدقاء آخرون للمقاتلين قريباً، من خلال طرق مختلفة تماماً. وتقول الحكومة اليمنية إنها تتوقع عودة معظم النزلاء اليمنيين الذين يربو عددهم على 100 يمني، والذين مايزالون محتجزين في معتقل جوانتانامو الأميركي، حيث يشكلون أكبر مجموعة نزلاء من وطن واحد، إلى الوطن قبيل فصل الربيع. وتقوم الحكومة اليمنية ببناء معتقل خاص يسمح فيه للجهاديين المشتبه بهم بأن يعيشوا مع عائلاتهم، وفي الوقت ذاته يتم إخضاعهم إلى عملية تصحيح عقائدي حتى يتم تحضيرهم لعودة مسالمة إلى المجتمع. ومع ذلك، وعلى نحو أثار حفيظة الحكومتين السعودية واليمنية، كما وإدارة أوباما التي تريد إغلاق معتقل جوانتانامو، صادف أن الرجلين السعوديين المصورين في الشريط هما خريجان من سجن الجزيرة الاستوائية ومن برنامج إعادة التأهيل السعودي المترف، واللذين أطلقت القوات السعودية سراحهما في السنة الماضية. وبينما تم جمع شملهم مع عائلاتهم، فقد استفادوا، شأنهم شأن مئات من الجهاديين الآخرين النادمين، من المنح الحكومية التي صممت من أجل تسهيل العودة إلى الحياة المدنية. لكنهما اختفيا قبل عدة أشهر. وفي الشريط المذكور، ينتقد الرجلان برنامج إعادة التأهيل السعودي بشدة، ويصفانه بأنه خديعة، ويقسمان على مواصلة الجهاد. أما ناصر الوحيشي، "أمير شبه الجزيرة العربية" الجديد، وهو يمني، والشخص الذي أقسما له يمين البيعة، فكان هو نفسه أحد المشتبه بهم ال 23 من القاعدة، الذين فروا من سجن في صنعاء، العاصمة اليمنية، في عام 2006. بسبب تضاريسها الجغرافية الوعرة وحكومتها المركزية الضعيفة وانتشار ثقافة السلاح القبلية، ربما تثبت اليمن أنها حصن آمن بعض الشيء للقاعدة. وكانت المنظمة قد تعرضت لهزائم في أماكن مثل العراق ولبنان، وخاصة السعودية التي لم تقم بشن أي هجمات خطيرة فيها منذ عام 2006. ويبدو الهدوء النسبي في اليمن، والذي يعزوه بعض منتقدي حكومتها إلى عفو سري عام يقوم بموجبه المجاهدون السنيون بمساندة الدولة ضد انبعاث شيعي محتمل في شمال البلاد، يبدو ذلك الهدوء وأنه يتلاشى. وقد تسببت مجموعة من الاعتقالات التي جاءت في جزء منها جراء ضغط غربي وسعودي، بتصاعد هجمات القاعدة، والتي بلغت ذروتها في محاولة تفجير السفارة الأميركية بسيارتين مفخختين في صنعاء في أيلول - سبتمبر الماضي. ومع أن الهجوم فشل في اختراق المجمع المحصن، إلا أنه أودى بحياة 16 شخصاً. بالرغم من وصف دبلوماسي غربي في صنعاء لتهديد القاعدة هناك بأنه "شديد الخطورة"، وجهود الحكومة للتقليل من شأنه بوصفه على أنه مجرد "حادث عرضي"، فقد كانت السعودية، أكثر من اليمن نفسها، هي هدف منظمة القاعدة الرئيسي. وربما تكون حقيقة كون الفرع السعودي من القاعدة قد أجبر على إعادة التجمع في مكان آخر، تحت قيادة يمنية، إشارة ضعف أكثر من كونها مؤشر قوة. أما بالنسبة لليمن، وحتى لو كان الخطر الذي يشكله بضع مئات من الجهاديين المسلحين حقيقياً، فإن من المرجح أن يهتم المواطنون أكثر بأزمات وطنية أخرى، مثل: نطاق الفساد المرعب، والفقر، وسوء التغذية، ونضوب الماء، وعوائد اليمن النفطية الهابطة بشكل كبير، وحرب السنوات الأربع البشعة في الشمال، وجذوة عاطفة النزعة الانفصالية المتجددة في الجنوب، والاضطرابات القبلية المستمرة، والصراعات الشرسة على السلطة في أوساط النخبة الحاكمة. *** ( صحيفة الغد الأردنية: تقرير خاص (الإيكونوميست