قال الخبير الاقتصادي والسياسي الاردني الدكتور نصير الحمود التغيرات السياسية الحاصلة في اليمن ذات طبيعة ايجابية لكنها لم تكن جذرية ولا توازي سقف تطلعات ملايين الجماهير الذين خرجوا للشوارع بهدف تحقيق إصلاح حقيقي. وجاء تصريح الحمود خلال حوار شامل له مع صحيفة صنعاء تايمز .و يذكر أن الحمود، سياسي أردني يشغل نائب رئيس ‘صندوق تنمية الصحة العالمية' وسفير النوايا الحسنة، المدير الإقليمي لمنظمة (إمسام) سابقاً– المراقب الدائم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة. وفيما يلي نص الحوار مع الحمود .
ما رأيكم بالمتغيرات السياسية في اليمن ؟
التغيرات السياسية الحاصلة في اليمن ذات طبيعة ايجابية لكنها لم تكن جذرية ولا توازي سقف تطلعات ملايين الجماهير الذين خرجوا للشوارع بهدف تحقيق إصلاح حقيقي.
صحيح أن الرئيس منصور هادي بدأ يجري إصلاحات في المواقع المدنية والعسكرية المحسوبة على النظام السابق، بيد أن المدرسة الحالية للنظام بكادرها الإداري تستقي ذات الثقافة السائدة سابقا.
أعتقد بأن النية صادقة لدى هادي لإجراء إصلاحات في مجتمع يتباين تعريفه لنوعية الإصلاح المطلوب، ففي حين تنشد القوى السياسية إصلاحات تشريعية وسياسية، فإن الطبقات المسحوقة تنادي بإصلاحات اقتصادية من شأنها قطع دابر الفقر والبطالة الذي ينهك تلك الشرائح.
غير أن التحديات الاقتصادية تبدو أكبر من طاقات الحكومة الحالية التي استطاعت الحصول على تعهدات الدول المانحة بتقديم6.4 مليار دولار، كما تتجه لتوسيع رقعة الاستثمار النفطي من خلال إعطاء امتيازات جديدة في مناطق لم تستكشف بعد.
وتجمع البيان الرسمية ونظيراتها الصادرة عن مؤسسات مدنية بأن معدل بطالة الشباب تصل لنحو 50%، ما يمثل قنبلة موقوتة، إذ أن تلك الطاقات بحاجة لمن يوظفها في قطاعات إنتاجية، وإلا تحولت لخطر كبير على المجتمع.
برأيكم لماذا ينجح النظام الأردني حتى اللحظة في كبح جماح المعارضة الأردنية ؟
في الحالة الأردنية ما يميزها عن سواها، حيث أن هامش الحريات أعلى من مستوياته في دول الربيع العربي، وفي المقابل فإن الوعود بتحقيق الإصلاح تفضي أحيانا لتهدئة الشارع، على الرغم من عدم حصول خطوات حقيقية في هذا الشأن.
أعتقد بان هذا المشهد المختلط، يسهم في بعثرة أوراق المعارضة التي تختلف نظرتها حيال ما يجري في دول الربيع العربي، فمنها من يقف مع الشعب السوري، فيما تتجه قوى أخرى للوقوف خلف النظام في دمشق، بحجة أن مؤامرة دولية تستهدفه، ما يعني اختلافا يؤدي لإضعاف هذه المعارضة.
المعارض بشكل عام لا تزال ترفض الخطوات الإصلاحية الضعيفة للغاية المقدمة من النظام، إذ أن قانون الانتخابات والتشريع المتعلق بالأحزاب، وفرض الوصاية من جديد على الإعلام، كل ذلك يسهم في تعزيز النظرة القائمة بشأن عدم وجود نوايا للإصلاح.
التحدي الاقتصادي الذي تواجهه المملكة، وغلاء أثمان السلع والخدمات، إلى جانب تفشي البطالة، أمور تتسبب في ظهور معارضين جدد للحكومة التي يعتقدون بأنها باعت مقدرات البلاد لتحسين مستوى الخدمات، بيد أن ذلك لم يتحقق، كما لم تسهم هذه الخطوات في لجم عجز الميزانية الآخذ بالتفاقم.
العلاقة التي تربط الشعبين اليمني والأردني متجذرة منذ زمن طويل، فبالإضافة إلى انتساب العائلات الأردنية وكثير من نظيراتها العربية لبلاد اليمن السعيد أساسا، فقد كانت علاقة عمانوصنعاء حميمة حتى حيال ما شهدته المنطقة منذ سقوط بغداد مرورا بثورات الربيع العربي، ولغاية الآن.
اليمنيون يتواجدون دوما في عمان لأغراض العلاج والدراسة، وكذلك الأردنيون الذين يواظبون على زيارة اليمن العريق للاستثمار أو الدراسة.
على الصعيد السياسي، تحكم هذه العلاقة تبعا للمصالح، فبطبيعة الحال كان للمبادرة الخليجية دورا مهما في إنهاء الأزمة ومغادرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقد أيدت الأردن هذه المبادرة باعتبارها طرفا متوافقا مع بلدان مجلس التعاون الخليجي في سائر القضايا الإقليمية والدولية، وبالتالي ستستمر علاقة عمانوصنعاء بذات المستوى مستقبلا
هل تتوقعون تطورات سلبية مفاجئة على اقتصاد الأردن بما أن ميزانية، دولتكم بدأت تضعف بحكم تأخر المساعدات العربية ؟
هذا أكثر ما أخشاه فالواقع والآفاق المتصلة بالاقتصاد الأردني لا تنبئ عن أي تحسن مقبل، بل على العكس فإن التوقعات تفيد بمزيد من التأزم الاقتصادي الناتج عن تزايد فجوة العجر في الحساب الجاري فضلا عن ميزان المدفوعات.
قد تقلل التعهدات المالية الخليجية من هذه الوطأة، فقد بدأت كل من السعودية والكويت في تنفيذ البرنامج الخليجي المتمثل برفد المملكة بما قيمته 5 مليارات دولار، على مدار 5 سنوات، بيد أن هذه المساعدات على أهميتها لا تعالج الأزمة الاقتصادية المتجذرة نتيجة ضعف المصادر المتجددة في الاقتصاد الوطني من جراء بيع المؤسسات الحكومية التي كانت ترفد الموازنة، لتنتقل ملكيتها للقطاع الخاص.
أعتقد بان بلدان مجلس التعاون الخليجي فضلا عن البلدان الغربية المانحة تدرك الصعوبات الاقتصادية في المملكة، لذا فمن المرجح مواصلتها رفده بالمال والمساعدات الفنية الكفيلة بزيادة إنتاجيته في السنوات المقبلة.
برأيكم كسياسي هل تستمر الثورات العربية.. ومن تتوقع بعد سوريا ؟
مع ارتفاع سقف طموحات الشارع العربي، فقد بات من غير المستبعد امتداد تلك الثورات لمناطق وأقاليم أخرى في العالم العربي الكبير.
على أن القوى السياسية والشبابية في الدول التي لم تصبها الثورات، يريدون أن يتعرفوا أولا على مقدار النتائج الايجابية التي خلفتها الثورات على الدول المعنية بها، ففي حال شهدت تلك البلدان تحسنا في ميادين الشفافية ومحاربة الفساد وتقلص مقدار البطالة والفقر والتضخم، فإن ذلك قد يحفزهم على التوجه للشارع بهدف الضغط على الأنظمة القائمة.
في الشأن السوري، من غير المرجح أن يعود الثوار عن قراراهم الاستراتيجي بالخروج على النظام الذي سفك دمائهم واعتدى على أعراضهم ودمر ممتلكاتهم وهجر أهاليهم، إذ لم يعد هناك مبررا من إدامة العقد الاجتماعي والسياسي الذي يربط تلك الأطراف.
قد تطول أمد الثورة السورية، في ظل عدم وجود دعم قانوني وعسكري دولي ، غير أن الشعب سيحقق إرادته بنهاية المطاف.
أي دولة تفشل في تحقيق طموحات مواطنيها ستكون عرضة للتغيير، مع تبدد القدسية التي كان يحيطها الزعيم أو الحاكم بنفسه، إذ تأتي القدسية والاحترام بنظر الشعوب لقادتهم استنادا لمقدار المنجزات المتحققة والكفيلة بردم الهوة الكبيرة التي باتت تفصل العالم العربي بالدول الأخرى حول المعمورة.