منذ أمد ليس ببعيد لم يكن لدينا نحن العرب من عنوان يختصر كامل همومنا الوطنية والقومية في آن معاً سوى هذا الذي كان يتمثل فيما اصطلح على تسميته حينها بقضية الصراع العربي الصهيوني، وقد جرى اختزالها تدريجياً فيما بعد إلى ماهو أقل بكثير من مجرد اشكالية حدودية لا مرجعية لها.. بين جارين يفرض أحدهما مشيئته على الآخر. أما في زمننا هذا.. فحدّث ولاحرج، فما من عنوان للوجع الوطني والقومي إلا وكان من نصيبنا، بقدر ما باتت شواهد العجز العربي على المستويين الرسمي والشعبي واضحة للعيان، لدرجة أن بتنا نستظل بظلها ليل نهار.. دون غضاضة، ودون ان تحرك ساكناً فيناً، حيث لم يعد هناك ما من شأنه ان يستفز ما تبقى لدينا من نخوة عربية مفترضة، ينبغي ان تشكل العلامة الفارقة الأبرز بيننا وبين سائر بني البشر. فلم تعد النكبة الأولى مع الأسف الشديد عنواناً مركزياً لقضايا القومية العليا مثلما كان، فقد تركنا لأهلنا في الوطن المحتل حرية إدارة صراعهم مع العدو على نحو يتناسب مع المبدأ القائل: اخدم نفسك بنفسك؛ بمعنى أننا تركناهم وشأنهم، خشية ان يتهمنا الآخرون بفرض وصايتنا عليهم. وليس أدل على ذلك من كوننا نقف موقف المتفرج إزاء ما يعانيه إنساننا العربي هناك.تحت وطأة تضييق الخناق عليه، بغية اجباره على تقديم المزيد من التنازلات، ومن ثم تخليه عن جوهر ثوابته الوطنية المبدئية والمشروعة. أما نحن.. فلم يعد بمقدورنا انقاذه من ضائقته الاقتصادية الخانقة بحكم افتقادنا سبل الوفاء بما تفرضه علينا ضرورات الواجب الوطني والقومي، وقد اطلت علينا بالأمس القريب ذكرى خيبتنا الأولى، دون ان نتوقف عندها ولو بقدر ضئيل من التأمل والاهتمام، حتى ولو كان ذلك على سبيل الاستهلاك الإعلامي كالعادة. أما العراق فلم يعد بحاجة إلى ان نمد لأهله يد العون والمساعدة، بعدما أوكلت هذه المهمة الإنسانية الصعبة لسيدة هذا الكون وملكة جمال نظامه العالمي الجديد، وقد استعانت بالمتأمركين من حلفائها لتمكينها من أداء دورها التاريخي المفترض في حالة كهذه، كما تعهد كبار ساستها ببقاء قواتهم المرابطة هناك إلى ان يرتفع عدد الأرامل في هذا البلد العربي الشقيق إلى ما يمكن القبول به كمؤشر للخلاص من أخصب شرائح المجتمع العراقي، حيث السبيل الوحيد لدمقرطته بعد تخليصه من ديكتاتورية رئيسه الآسير. ومعذرة لأشقائنا في الصومال الجريح، لتعذر متابعتنا لما جرى في عاصمة بلادهم منذ ما قبل أيام قلائل ولايزال، من اندلاع الاشتباكات الدموية مجدداً بين مواطنيها، نظراً لانشغالنا بمواجهة خطر انتشار انفلونزا الطيور في أكثر من بلد عربي آخر، وهو ما من شأنه الحيلولة دون ايصال ما كان قد تقرر ايصاله من مساعدات مالية لهم. ولايزال في جعبتنا العديد من عناوين العجز العربي المماثلة، والكفيلة بإنهاك قوانا على كافة الصعد والمستويات، من بينها.. اخضاع شرعية ومشروعية نظام الحكم في لبنان لمبدأ التجاذب بين اطراف اللعبة السياسية في اعقاب اغتيال الشهيد الحريري، ومن ثم .. اشكالية سلاح المقاومة في جنوبه المنتصر، بالإضافة إلى ما طرأ على ما بينه وبين الشقيقة سوريا من تفعيل لوتائر توتر العلاقات فيما بينهما على خلفية حدث الاغتيال ذاته. يضاف إلى كل هذا وذاك.. ما أصاب العلاقات الأردنية الفلسطينية على المستوى الحكومي، بفعل ما تردد في الآونة الأخيرة حول اتهام حركة حماس بمحاولة تهريب أسلحة ومتفجرات إلى الداخل الفلسطيني عبر الحدود المشتركة بين الجانبين، وإن كان من السابق لأوانة تأكيد أو نفي ما أثير بشأن هذه الواقعة. ونحمد الله على ان الاتحاد الأفريقي قد أزاح عن كاهلنا ما ترتب على إثارة ما اصطلح على تسميته بأزمة دارفور من تبعات سياسية مضنية.