كل المؤشرات التي بين أيدينا تؤكد أن الكثير جداً من القيادات الحزبية لم تؤمن بعد بثورة المعلومات، وما زالت تفهمها على أنها مرتبطة بالحالة الصناعية وليست بالتحولات المعرفية وإنتاج الوعي الثقافي، لذلك فهي توافق على إنشاء موقع إخباري الكتروني مضطرة، ولمجرد أن أحداً أخبرها أن الحزب الفلاني أطلق موقعاً الكترونياً.. وعليه لا بد من محاكاة تجربته لإسقاط عامل الأفضلية. من واقع معرفتي بالصحف الالكترونية اليمنية التابعة للأحزاب أؤكد أنها قائمة بفضل نخب شبابية واعية ومخلصة لأحزابها ولعملها، وأن هذه النخب بغض النظر عن صفة انتمائها هي بتقديري الأتعس حظاً بين الوسط الإعلامي، لأنها تكافح ثلثي ساعات اليوم أو أكثر، وعلى جبهات مختلفة.. فهي تسعى بحثاً عن الخبر، ولتغطية كل حدث وفي أي وقت كان بغير حدود لساعات عمل، وتناضل من أجل إقناع صناع القرار بجدوى استمرارها في الساحة، وبضرورات الاحتياجات التي تقدمها، وتنوبهم في تعقب تفاعلات الساحة السياسية.. وفي آخر المطاف تتقاضى أجوراً لا تستحق عناء كفاحها كله. الزملاء في «الاشتراكي نت» لم يحتملوا ضغط العمل، وتجاهل الدور الذي يقومون به من قبل قيادة حزبهم التي ظلت تعتبر تمويلها الشحيح للموقع كما لو كان صدقة تشفق بها على الزملاء العاملين فيه، رغم أنهم لهم فضل كبير في بعض صوت الحزب الاشتراكي إلى واجهة الساحة الإعلامية، وتبوؤوا مركزاً جيداً بين المنافسين القدامى في عالم الصحافة الالكترونية. أما موقع «الوحدوي نت» فهو الآخر لا أحد يعرف كيف صعد طوال هذه الفترة في ظل الإمكانات المستحيلة لتقديم نتاج إعلامي مشرف! فالزملاء الذين يديرونه إنما يصنعون صوتاً لحزبهم من لاشيء.. فلا أجهزة تستحق الذكر، ولا أجور يجرؤ أحدهم على البوح بها أمام زملائه.. وكذلك هو الحال لمواقع الأحزاب الأخرى التي هي ليست أفضل حالاً بشيء كثير مما سبق. المفارقة في الصحافة الإلكترونية الحزبية هي أن كوادرها تعمل كجنود مجهولين.. حيث إن القيادات الحزبية في الصف الأول وربما الثاني أيضاً لا تدخل شبكة الانترنت لتتابع الآداء، ولتقيم الجانب النوعي فيما ينشر، وتنتظر من يبعث لها بالأخبار الساخنة المرتبطة بالصراع الحزبي عبر الفاكس، وأعتقد أن 99% منهم لا يستطيع وصف واجهة الموقع، في الوقت الذي يولون كل الأهمية للصحف الورقية، ويسخرون لها إمكانات عظيمة كما لو كانت هي الرهان الوحيد لخطاب أحزابهم. الحقيقة التي تجهلها قيادات الأحزاب هي أن المواقع الالكترونية أصبحت في الوقت الحاضر مصدر ثلاثة أرباع الصحف الورقية في المعلومة الخبرية، وأن هذه المواقع هي من يمسك اليوم بزمام ساحة الرأي العام في الداخل والخارج نظراً لسرعة تفاعلها مع الأحداث، وسهولة إيصال رسالة إلى مختلف البقاع الجغرافية. لكن مع مرارة الواقع الذي يقاسيه الزملاء في الصحف الإلكترونية أصبح من الضروري جداً مبادرة أحد أو مجموعة لتبني إقامة جمعية أو نقابة خاصة بهم تحدد حقوقهم المادية والفكرية وسبل حمايتها والدفاع عنها، وتؤسس لهم وضعاً اعتبارياً مناسباً لظروف عملهم، ولطبيعة الرهان المكفول بهم كمرآة اليمن للخارج. لا بد للقوى السياسية أن تدرك الجانب الإنساني لهذه النخب الإعلامية التي تسخر كل وقتها للعمل بتفاني، وعلى حساب ساعات راحتهم، أو حقوق أسرهم نحوهم، وفرص تحسين دخولهم.. وبالتالي فليس من المنطق بشيء أن تبذخ الأحزاب أموالاً طائلة على كل شيء ومن ثم تمنع العطاء عندما يتعلق الأمر بالموقع الالكتروني الذي بات يدير لعبة صراعها السياسي ويصنع لها ثقلاً جديداً تعجز عنه صحفها الأسبوعية المكدسة على نواصي الأكشاك.. فليس في عصر المعلومات من يرغب قراءة أخبار ومواقف ما قبل أيام بعد أن تناقلتها المواقع بعد دقائق من حدوثها.