إذا كان جنود الله قد نجحوا حتى اليوم في مواجهة إرهاب العدو الصهيوني وإصابة جنرالاته بالمغص ذعراً، كما يقول المعلق السياسي الدائم في صحيفة «هارتس» الإسرائيلية يوئيل ماركوس، فإن من أسباب هذا النجاح التفاف الشعب اللبناني بشرف حول مقاومته الباسلة، وإذا كان اللبنانيون قد سجلوا بذلك استثناءً خالف القاعدة الأمريكية المطبقة في العراق «تفرقوا وتناحروا لنسدكم» فإن السؤال الأهم الآن يتخطى الحاصل إلى ما كشفه من حقائق وما تنذر بوقوعه في قادم الأيام.حقائق كثيرة مذهلة ومرعبة في آن معاً كشفها «تسونامي العدوان الصهيوني» الجائر على لبنان، لعل أولها: زوال فرضية المجتمع الدولي وهيئاته «الأممالمتحدة ومجلس الأمن» الراعية للعدالة الدولية والسلام العالمي واختزال الشرعية الدولية في الإدارة الأمريكية وما تقرره هي وحدها، ما يبطل جدوى الركون على المجتمع الدولي في استحقاق الحقوق ويزكي خيار النضال الذاتي في استحقاقها، ويرجح كفة مقاومة التعسف والظلم والاستبداد أينما وجد.والحقيقة الثانية: أن ما يجرى في لبنان هو تواصل لتنفيذ الخطة الأمريكية المعلنة إبان أحداث سبتمبر «أيلول» 2001م المعروفة باسم «الحرب على الإرهاب» والمستمرة أوزارها بموجب لائحة «المنظمات الإرهابية والدول الراعية للإرهاب» المعدة وفق المعايير الأمريكية وحسابات مصالحها ومصالح ربيبتها «إسرائيل» والمفتوحة لاستيعاب كل من يقف ضدها.والحقيقة الثالثة: أن ما يحدث في لبنان ليس حرباً جديدة من حروب تقوية شوكة الدولة الإسرائيلية وفرض أقصى حدود الأمان لها فحسب، بل هو في الأساس موقعة جديدة ضمن مواقع ما يسميه أحد المحافظين الجدد في البيت الأبيض نيوت جنجريتش «حرب عالمية ثالثة لا تزال في بدايتها»، بدأتها الولاياتالمتحدة في أفغانستان ثم العراق الذي أخر عدم استتباب احتلاله، توقيت هذه الموقعة الجديدة «في لبنان» وغير الأخيرة.والحقيقة الرابعة: أن المنطقة العربية لن تعرف الاستقرار بوجود إسرائيل التي تعد فلسطين موطئ قدم ليس أكثر ولا تمثل بأي حال جل أطماعها الكبرى المعلنة والماضية في بلوغها مطمعاً تلو مطمع، وأن إسرائيل مع ذلك ورغم كل الدعم الأمريكي «الدولي» السياسي والاقتصادي والعسكري لن تعرف السلام بوجود المقاومة التي تبين أنها قادرة على كبح مطامعها والانتصار في قمعها فقط إن أمنت الخيانة، وضمنت اتحاد الأمة.والحقيقة الخامسة والأهم الآن: أن موقعة «لبنان» في الحرب «الأمريكية الإسرائيلية» لن تكون الموقعة الأخيرة، وأن جواب السؤال الأبرز الآن: من سيكون التالي؟ جاهز سلفاً وبدأت ملامحه تتكشف بصورة جدية وفق التقارير والتحليلات ليس العربية المتهمة بالارتهان لنظرية «المؤامرة» إنما من واشنطن نفسها ومن داخل أروقة البيت الأبيض ومؤسسات الإدارة الأمريكية «الصهيونية». تقدم هذه التقارير بدون مواربة أو مناورة تفاصيل جديدة عن المخطط الأمريكي ل«الشرق الأوسط الجديد» ومن ضمنها ما تسميه التقارير نفسها على لسان قيادات سياسية أمريكية تذكرها بالاسم «خاطرة طريق للبنان جديد» سيقوم بعد حرب الإبادة «الإسرائيلية» وتوسيع دائرة «الحرب العالمية الثالثة» التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية مباشرة وعن بعد إلى أربع جبهات هي: لبنان، فلسطين، سورياوإيران. لبنان الجديد بالنسبة لخارطة «لبنان الجديد» تفيد التقارير، أن ثمة مشروع قرار ثانٍ سيقدم إلى الأممالمتحدة خلال أسبوعين من اعتماد القرار الأول «الأمريكي الفرنسي» المتوقع تمريره غداً في مجلس الأمن بصيغة وقف متدرج للمواجهات على ثلاث مراحل هي: وقف إطلاق نار وإطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين «دون الإشارة للأسرى اللبنانيين» ثم اتفاق سياسي يؤجل الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية التي دخلتها مؤخراً ومزارع شبعا إلى مرحلة ثالثة: تتضمن إرسال قوة دولية برعاية الأممالمتحدة.ويتضمن مشروع قرار الأممالمتحدة «الأمريكي» الثاني وضع خمسة أطر سياسية ستكرس للمشروع الأمريكي الجديد للشرق الأوسط، تحت عنوان إحلال ما تسميه الولاياتالمتحدةالأمريكية «الحل الدائم» أو «السلام الدائم» بين «إسرائيل» ولبنان بما في ذلك حزب الله، وهذه الأطر السياسية الخمسة حسب تقرير للمراسلة الصحافية من واشنطن والمحللة السياسية حنان البدري: 1 إطار يتضمن التوصل لصيغة لنزع سلاح حزب الله وتحويله لحزب سياسي مع دفع لبنان «الجديد» حسب الوصف الأمريكي إلى إبرام معاهدة سلام مع «إسرائيل». 2 إطار يتضمن التأكد من قيام كل من حماس والسلطة الفلسطينية بالالتزام بما جاء بوثيقة الأسرى ودخولهما في مفاوضات، تتضمن تلك النقطة أيضاً المزيد من التفاصيل وكلها تكرس الاعتراف ب«إسرائيل». 3 تخلي الفلسطينيين عن حق العودة وذلك في إطار موافقة عربية كاملة، على أن تفتح دول، ومن بينها دول عربية، المجال لتوطين فلسطينيين في مناطق سيتم تخصيص دعم دولي وعربي لتكلفة البناء والتوطين وبعض التعويضات وذلك مقابل أن تنسحب «إسرائيل» من أغلب المستوطنات. 4 بحضور العرب وفي إطار مؤتمر دولي للسلام، يتم تشجيع وإعادة إحياء مبادرة بيروت المعروفة ب«مبادرة الملك عبدالله» «يعترف فيه العرب ب«إسرائيل». 5 التوصل لاتفاق نهائي بشأن القدس كعاصمة للبلدين «وفي الأغلب سيتم منح أبو ديس باعتبارها القدس العربية». الهدف التالي أما بالنسبة لإجابة سؤال: من سيكون التالي للبنان؟ فقد قدمها بجلاء تام سيدني بولومنتال كبير مستشاري الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لشؤون الاتصالات تحت عنوان «الحرب القادمة للمحافظين الجدد» فاضحاً ومؤكداً التوجهات لدى الأجنحة المتشددة في إدارة بوش الحالية نحو الدخول في حرب رباعية وتوسيع دائرة الحرب في لبنان لتشمل سورياوإيران.قال المسئول الأمريكي السابق في حكومة كلينتون الثانية إن فريق المحافظين الجدد في البيت الأبيض ذاكراً بالاسم «اليوت ابراهام» مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وكبار موظفي مكتب نائب الرئيس ديك تشيني قاموا بتوفير معلومات استخباراتية لجهاز الوكالة القومية للأمن «NSA» المسئولة عن التجسس الفائق على المكالمات والانترنت والتنصت باستخدام الستلايت، ومشاركتها ل«إسرائيل».ونقل سيدني بولومنتال عن مسئول آخر حالي في مجلس الأمن القومي الأمريكي أن «الرئيس الأمريكي جورج بوش وافق على هذا البرنامج السري ودعم إسرائيل بمعلومات التنصت ومراقبة إذا ما كانت سورياوإيران تدعمان حزب الله بأسلحة جديدة خلال حربها في لبنان، وأكد أن المحافظين الجدد في البيت الأبيض نفسهم يناقشون حالياً مسألة إثبات هذا الدعم كذريعة لتوسيع دائرة الصراع وقيام إسرائيل بمهاجمة وقصف إيرانوسوريا.ووفق نفس التقرير للمراسلة الصحافية من واشنطن والمحللة السياسية حنان البدري فإنهم المحافظين الجدد حالياً يحضرون جون بولتون المحسوب كأحد المحافظين الجدد ليحل محل «كوندوليزا رايس» التي تعرضت أخيراً لانتقاداتهم لمحاولتها التوصل إلى حلول دبلوماسية مع إيران وفيما يأتون بالسفير الأمريكي الحالي في لبنان كبديل لبولتون لدى الأممالمتحدة يدفعون بشدة لتوسيع الحرب.والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا حيال هذا الخنوع لحرب عالمية ثالثة معلنة ضد عدو ثالث محدد بالإرهاب المجسد أمريكياً في الإسلام ما الذي يمنع الأنظمة العربية من تقديم إجابات شافية ومقنعة للعائق الفعلي أمام خوض حرب «عربية إسرائيلية» حاسمة شعبية على الأقل إن لم تكن حرباً رسمية من جانب الدول العربية، وجيوشها «البطلة» التي صارت «بطالة مجيشة»!!