استدعاء الرئيس الفنزويلي لسفير بلاده لدى اسرائيل رداً على المجازر الاسرائيلية في لبنان وفلسطين كان مفاجئاً لمن يعد في دمه كرامة عربية، بالقدر الذي كان منتظراً من دول عربية وجدت في علاقتها الدبلوماسية متسعاً للنزيف العربي على الأرض اللبنانية. الفعل الفنزويلي ذاك قابله استغراب اسرائيلي معلن وربما عربي تدور أفعاله في القصور الصامتة والتي لا تزال تؤمن بإمكانية التوصل إلى سلام مع الكيان الصهيوني. الرد الغربي للرسالة الفنزويلية لا شك أن يرافقه خبث الساسة المبعدين ذاتياً عن فهم رسالة شاطئ الكاريبي باعتبارها لا تشكل إحراجاً محتملاً على عروشهم الخائفة إلا من الصمت المصحوب بردع المتظاهرين لذات الذبح العربي العربي. الرسالة فهمت إذاً، لكنها لا تؤثر مبدئياً على العروش الخالية من المشاعر الإنسانية تجاه الذات العربية. فنزويلا استخدمت ورقتها الدبلوماسية وقطع العلاقة كلياً، وهو ما تستطيع فعله، استجابة للأخلاق والمشاعر الإنسانية بعد رؤية مشاهد الدم المروعة في الأرض اللبنانية، وليس لشيء آخر. وإن كان من أسباب أخرى دفعتها إلى ذلك الفعل كما تقول أمريكا إنها نافذة جديدة لكاركاس على الشرق الأوسط بعد لقاء شافيز أحمد نجاد. فإن توقيت الفعل الأخلاقي للرئيس شافيز يلغي التكهن بتلك الأسباب الوهمية بنظر حلفاء اسرائيل في المنطقة والبيت الأبيض وتل أبيب أيضاً. قد يكون في الرسال ملمح إلى الدول العربية التي لا تزال حتى الساعة تقيم علاقة دبلوماسية مع اسرائيل مفاده أن استخدام هذه الورقة لها تأثير في كل الأحوال، وإن لم تأبه له اسرائيل في الوهلة الأولى. هكذا التأثير من وجهة النظر الفنزويلية قد يعيد تشكيل المواقف بعد أن يحفظ ماء الوجه لمن شارك منذ الوهلة الأولى بدم الضحية.. غير أن هذا الملمح فهم عربياً وتم تجاهله على قاعدة معكوسة «لا توجد عداوات دائمة بل صداقات دائمة». متى ستفهم هذه الأنظمة أن الصداقات الدائمة والعداوات الدائمة لا مكان لها في العلاقات الدولية تاريخياً على الأقل. لقد قالها تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل وهو في حالة حرب «ليس لنا أصدقاء دائمون، ولا خصوم دائمون، وإنما لنا مصالح دائمة». وأثبتت الأحداث على مر التاريخ أن المصالح وحدها من يحكم منطق الدول المارقة في علاقاتها الخارجية. ووحده شافيز في عالم اليوم يستحق احترام الشارع العربي، لأنه فعل ما عجزت عنه الأنظمة التي كانت تماثله العلاقة مع اسرائيل، فتركها استجابة للأخلاق بعد نصف قرن من العلاقة تلك، وبقيت الدول العربية في علاقاتها المعلنة، وغير المعلنة مع اسرائيل إمعاناً في القتل تحت مبرر المغامرة ليس إلا. وهو عذر لا يقل خطراً عن الآلة العسكرية الاسرائيلية «سيدة المجازر» في قانا، والقاع، والشياح... وغيرها من المجازر على الأراضي اللبنانية، والفلسطينية التي تؤيدها بعض الأنظمة العربية علناً هذه المرة كخدمة مجانية ترجو من ورائه الرضا الأمريكي، وليس شيئاً غيره.