ربما تكون الحرب السادسة بيننا وبين كيان العدو، والتي كان لبنان مسرحاً لأحداثها الدامية، على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً بالتمام والكمال، قد انتهت بالفعل، إن لم تطرأ هناك مستجدات مغايرة لحيثيات وقف إطلاق النار بين الجانبين.فللمرة الأولى.. يرضخ الجانب الصهيوني في مواجهة ميدانية مفتوحة كهذه، لقرار دولي.. دون مماطلة، وفي ذلك ما يكفي لتبيان حقيقة أن حجم خسائره في هذه الحرب لم يكن وارداً في توقعات جنرالاته، وهو ما يعكس بالضرورة مقدار الخلل في تقديراتهم التي سبقتها. وفي اعتقادي.. إن ما تكبدته قوات جيش العدو بفعل ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية، من خسائر بشرية جسيمة، فضلاً عما جرى تدميره من معداتها وآلياتها الحديثة والمتطورة، ومن بينها دبابات الميركافا على وجه الخصوص، بالإضافة إلى افتضاح أمر أكذوبة ما قيل عن قوتها التي لا تقهر، ومن ثم.. إسقاط هيبتها المدعاة، إنما هو الأكثر فداحة من كل خسائرها السابقة، باستثناء ما خسرته في حرب عام1973م. وليس أدل على ذلك.. من تفجر الخلافات والاختلافات بين أقطاب هذا الكيان العنصري المصطنع، سواء كان ذلك بين نخبته السياسية وأركان مؤسسته العسكرية أو بين يمينييه ويسارييه، إلى غير ذلك مما قد يترتب لاحقاً على ارتفاع أصوات الداعين إلى فتح ملف للتحقيق في هذا الشأن، وكأنما قد آن الأوان لأن يعيد جنرالات العدو النظر في مجمل سياساتهم العدوانية، وعلى كافة الصعد والمستويات، وهم الذين اعتبروا عدوانهم علينا منذ بداية صراعنا معهم بمثابة نزهة لقواتهم، فإذا بهم وقد فوجئوا هذه المرة بعدم صوابية ما اعتبروه معياراً غير خاضع للمراجعة. وعلى ضوء الدروس المستفادة من وقائع التصدي الأسطوري لأعدائنا وأعداء أمتنا.. على اتساع خارطة لبنان العربي، وإلحاق الهزيمة بجحافل عدوانهم، فقد آن لمروجي ثقافة التسليم بالعجز من بين قومنا أن يدركوا قبل فوات الأوان حقيقة أنه لا سبيل إلى انتزاع حقوقنا من براثن مغتصبيها.. إلا بإعادة الاعتبار لخيار المقاومة الوطنية والقومية الحقة. ويكفي أن مغتصبي حقوق أهلنا في الوطن المحتل، وبعد فشلهم الذريع في تحقيق أهداف حربهم على لبنان طيلة ثلاثة وثلاثين يوماً.. كما أشرت، قد أجبروا في نهاية الأمر، وأمام استبسال رجال المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهتهم، على التراجع عن كل ما سبق وإن حاولوا فرضه بداية على الجانب اللبناني كشرط لإيقاف عدوانهم هذا. وكم كان رائعاً وجميلاً.. ما لامسناه بأم أعيننا حال عودة النازحين إلى ديارهم في العديد من المناطق اللبنانية، وهم يلوحون بشارة النصر من بين أنقاض منازلهم المدمرة، تأكيداً لحقيقة أن شعورهم بالعزة والكرامة أهم بكثير من كل هذه الأحجار المتناثرة هنا وهناك، مؤمنين في كل هذا وذاك بحقيقة أن الحق بغير القوة ضائع، وأن السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، وهو ما ينبغي أن يدركه جميعنا على حد سواء.