وجبة معنوية شهية أعدها رجال المقاومة في لبنان للأمة العربية والإسلامية تمثلت في انتصار على ميكانيزمية القتل الصهيونية، أعقبها تدفق دماء العزة والكرامة إلى شريان الأمة، انتفض غبار الذل والهزيمة من ردائها وتوجت بتاج النصر في حرب استمرت رحاها ثلاثة وثلاثين يوماً عالكة البنية التحتية للبنان والأطفال والشيوخ وما تبقى من فتات القانون الدولي الإنساني، أضرار مادية قابلها امتزاج دماء البطولة والنصر بأديم الخراب الذي خلفته مخالب طائرات الكيان الغاصب في مجزرة قانا الثانية وغيرها. بالإضافة إلى انبعاث رائحة العزة والشموخ من بين أنقاض ذلك الدمار، لترفد أجواء الأمة بنسمات الانتصار ليستنشق شذاها كل إنسان عربي حر تهمه وحدة الأمة وكرامتها. أما في الجانب الاسرائيلي فإن صواريخ حزب الله تمكنت من تمزيق سياجهم العنكبوتي وتلاشت أمامها اسطورتهم الزائفة، فعلى مدار المواجهة واسرائيل تتوسد عار الهزيمة في الملاجئ على امتعاض من سياسة حكومتهم التي خابت في تحقيق أي هدف يخرج القائمين بهذا العدوان من طائلة المساءلة، التي لم تعد تجدي بعد أن تبعثرت امبراطورية الجيش الذي لا يقهر، الجيش الذي تهاوى كيانه أمام رجال المقاومة في جنوبلبنان، أقنعة زائفة تعرت من حامليها، ملف التحقيقات يحتضن كبار الساسة في الكيان الصهيوني، عار الهزيمة يلاحقهم في أزقة الكنيست. رئيس الأركان دان حالوتس يتقلد وسام فضيحة الأسهم بينما أيهود أولمرت يتقلد وسام الهزيمة بالإضافة إلى إهداء طن من شوكلاتة النكسة بطعمها المر إلى وزيرة الخارجية الاسرائيلية، أما الإدارة الأمريكية فقد استقبلت رياحاً صفراء أنضجت ثمارها لتبتلعها عوضاً عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تجلى خيار المقاومة في ناصيته. حرب لم تتكافأ فيها القوى، فالجيش الاسرائيلي يمتلك أكبر ترسانة في الشرق الأوسط من بارجات وطائرات أباتشي وإف 16 وإف22 ودبابات ميركافا الأكثر تدريعاً، بالإضافة إلى جيش مؤهل عسكرياً تتقدمه فرقة جولاني فضلاً عن الاستقواء بظهر الولاياتالمتحدة للوقوف إلى جانبها بكل ما تحتاجه سواءً كان مادياً أو معنوياً كون الأولى ربيبة الثانية، أما بالنسبة لحزب الله فجنوده لا يتجاوزون ثلاثون ألفاً، فهو يعتبر حركة مقاومة استمدت شرعيتها من رحم الأرض يمتلكون أسلحة لا تصل إلى مستوى أي جيش كلاسيكي، يعتمدون في المواجهة على حرب العصابات، ففي هذه الحرب اعتمدوا على تكتيك قتالي لم تعهده أية حركة مقاومة في السابق، استطاعوا من خلاله دحر القوات الاسرائيلية على التوغل في الجنوب موقعين في الطرف الاسرائيلي خسائر فادحة أجبرتهم على التقهقر رغم التغطية المستمرة لأرض المعركة من قبل طائرات الكيان الصهيوني. عدوان غاشم حمل في طياته ذرات النصر ليهدى على لسان السيد حسن نصر الله إلى لبنان والأمة الإسلامية، ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها عن أرض المعركة وتذوقنا طعم النصر، تبقى هنالك سؤال يبحث عن ظله مضمونه إلى أي مدى يستطيع فتيل القنبلة الطائفية التصدي للمحاولات المتكررة للقداحة الصهيونية في إشعال الفتنة وتمزيق الوحدة الوطنية اللبنانية التي عجزت القنابل العنقودية عن تحقيقها. فالمتأمل للمواجهة يرى عمق التآزر بين اللبنانيين في ظل العدوان الغاشم مما يجعله يدرك العلاقة الوطيدة بين شعب لبنان وترابه، ولكن اللافت للنظر أن الأيام التي أعقبت النصر لم تستوعب نصاب الأسبوع، حتى طفت على السطح بعض الفئات التي لا يهمها الوحدة الوطنية للبنان مما ينذر بكارثة إن لم تعالج مبكراً في الغرف المغلقة خاصة وأن لبنان لم تصلح بعد ما هدمته الآلة الصهيونية. أخيراً نستطيع القول إن حكومة الكيان الصهيوني إن تمكنت من إشعال وتيرة الخلاف بين التيارات اللبنانية فإنها ستنتزع نصراً لم تستطع آلتها المهزومة تحقيقه.