ربما لم يكن يخطر على بال أحد أن يصل حجم القتل والتدمير في كل لبنان إلى ما وصل إليه، بفعل همجية العدو الصهيوني وبربريته غير المسبوقة، وإن كنا لا نعرف على وجه التحديد ماذا كان بمقدور أمة العرب بملايينها الثلاثمائة أن ترتقي بتجليات غضبتها الآنية إلى مستوى ما تفرضه علينا ضرورات الواجب الوطني والقومي في حالة كهذه. وربما كانت مجزرة قانا في نسختها الثانية على بشاعتها، وقد تخللت الأسبوع الثالث لسيناريو الحرب الراهنة بيننا وبين كيان العدو واحدة من أبرز الشواهد الحية على دموية بني صهيون وعنصريتهم، وهم الذين اتخذوا من واقعة اختطاف اثنين من عناصر قوات جيشهم على أيدي رجال المقاومة الوطنية اللبنانية ذريعة لعدوان يمتد أثره وتأثيره يوماً فيوم ليطال شتى مقومات الحياة في ربوع هذا البلد العربي الشقيق. فمن تدمير لمنشآته ومرافقه الحيوية.. إلى تقطيع أوصاله وإعطاب منافذه البرية والبحرية والجوية، بغية عزله عن العالم ومن ترويع أبنائه شيوخاً ونساءً وأطفالاً.. وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم دونما سبيل لانتشال جثثهم من تحت الأنقاض.. إلى إعاقة إمكانية إيصال الغذاء والدواء إلى الأحياء منهم، ولا تزال أمطار الصيف الصهيونية الحارقة تنهال على لبنان وشعبه، وعلى مدار اللحظة دون أدنى اكتراث بما تستوجبه دواعي الجانب الإنساني المتعارف عليها في أية حروب مماثلة. ولقد بات واضحاً وجلياً وبما لا يدع مجالاً للشك أو التشكيك إصرار الإدارة الأمريكية على تمكين أصدقائها الصهاينة من تحقيق مجمل ما يبتغونه من عدوانهم، هذا فضلاً عن تسخيرها المنظومة الدولية الأم لهذا الغرض، وحرصها المتعمد على تهميش دور مجلس الأمن الدولي بالمقابل. وبغض النظر عن تواطؤ ما اصطلح على تمسيته بالمجتمع الدولي، وعقم ما يصدر على استحياء عن الشرعية الدولية المدعاة، وهو ما يحسب في محصلته النهائية لصالح الجانب الصهيوني في هذه المواجهة العسكرية المفتوحة، حيث الحرب السادسة مع مغتصبي حقوق أهلنا في الوطن المحتل، فإن تواطؤ أركان النظام الرسمي العربي الملموس لجميعنا لا يقل أثراً وتأثيراً في ذات الاتجاه وإن كانت غضبة الجماهير في سائر بلداننا قد بلغت حد توجيه أسوأ الشتائم وأقساها إلى العديد من حكامنا الأفاضل، دون أن يغادر أحدهم دائرة صمته المهين واللعين في آن معاً.. وفي ذلك ما يكفي لتبيان حقيقة أن ما يتكبده إنساننا العربي من نفقات تزويد جيوشنا بمختلف الأسلحة والمعدات إنما يصب في خانة تمكين هذه الجيوش من حراسة كراسي هؤلاء الحكام وحمايتها. ولا نملك والأمر كذلك إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا خشية أن تصاب حالة الغليان الشعبي في الشارع العربي بعرضه واتساعه بنوع من الفتور التريجي، بفعل تلبد أحاسيس حكامنا في وقت تعالت فيه صيحات المنكوبين من بني قومنا في لبنان وقطاع غزة المحتل متسائلة أين أمة العرب.؟