ما انفكت الجهات الرسمية تقر اللوائح والإجراءات ؛ لإنعاش النشاط السياحي في اليمن ، وما انفكت أقلامنا تسطر وجهات نظرها من غير أن يكترث لها أحد. أقر المجلس الأعلى للسياحة يوم الأربعاء سلسلة إجراءات بينها إلزام محطات الوقود بعمل استراحات وحمامات كشرط لمنحها تراخيص العمل ، ولكن ما الذي يضمن لوزارة السياحة أن العام الجاري أو القادم سيشهد توسعاً بإنشاء محطات وقود على الطرق الخارجية ؟ وكم عدد هذه المحطات الجديدة ؟ وماذا بشأن المحطات القائمة حالياً ؟ ومن ثم أليست هذه الاستراحات والحمامات هي من البنى التحتية الأساسية للنشاط السياحي، فكيف نعلق أمرها بمستقبل محطات الوقود !؟ أعتقد أن تجارب بعض الدول الأخرى قد تكون مفيدة.. ففي العراق مثلاً أناطت الدولة «السابقة» مشروعات الاستراحات بهيئة الطرق والجسور، وبالتالي التزمت الهيئة بعمل استراحات على مسافات معينة على امتداد الطرق الطويلة، فيما التزمت وزارة الاتصالات بتجهيزها بهواتف طوارىء مرتبطة كل منها بأقرب دائرة أمنية أو نقطة مرورية.. وفي مصر قدمت الدولة قروضاً ميسرة للشباب ؛ لإقامة مشروعات خدمية صغيرة قرب المنشآت السياحية فاستثمرت البطالة لصالح السياحة، وكانت تجربة ناجحة جداً في حينها أرست قاعدة السياحة المصرية. وبالعودة إلى ما أقره المجلس الأعلى فقد أقر أيضاً التوسع بإنشاء معاهد السياحة والفندقة، وهي خطوة جيدة، رغم أن مانخشاه هو ألا يجد متخرجو هذه المعاهد فرص عمل، حيث إن الاستثمارات الفندقية مازالت محصورة بأيدي شركات عالمية لديها مصادرها في التمويل بالأيدي العاملة، وليس في عقودها الاستثمارية مايلزمها باستيعاب الكوادر الوطنية اليمنية.. علاوة على أن هناك اليوم شباباً يمنيين متخرجو معاهد سياحة عربية لكنهم لم يجدوا فرصهم للعمل الميداني، وبعضهم يزاول أعمالاً مكتبية لاتحتاج إلى أية مهارة سياحية أو فندقية. كما أقر المجلس إدخال الثقافة السياحية في المناهج الدراسية.. ولا أدري كم ستتحمل هذه المناهج ، فالكل يطالب بإدخال مشروعاته فيها، مكافحة الإرهاب والتطرف ، وحماية البيئة، قضايا المواطنة، حقوق الطفل وقضايا برلمان الأطفال، المشاركة السياسية للمرأة، الصحة الإنجابية، الصكوك والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، حوار الحضارات، الاختطافات والثأر.. وقضايا أخرى طالبت الجهات المختصة بإدخالها إلى المناهج الدراسية حتى يخيل للمرء أنه لم تعد فيها مساحة لغرس مفاهيم الولاء الوطني، وقيم الثورة وغيرها. ولو تطلعنا إلى أهداف بعيدة المدى من ذلك التوجه سنجد أن الأولى هو صب الجهود في خلق مناخ ثقافي عام للاهتمام بالسياحة ، يستهدف المجتمع بكل فئاته، وشرائحه، وكذلك دفع المجتمع باتجاه استثمار المواسم السياحية للانتفاع المادي سواء عبر مشروعات خدمية صغيرة، أم إحياء الحرف الشعبية اليدوية، أو أية ممارسات أخرى تستطيع الجهات المختصة تشجيع المواطنين في المناطق ذات الكثافة السياحية لمزاولتها.. في الوقت الذي مازالت جهودنا التوعوية بعيدة عن هذا المضمار. في أحاديث سابقة للأخ الرئيس/علي عبدالله صالح لفت الانتباه إلى هذه النقطة، وأشار إلى أن أبناء المناطق السياحية مثل مأربوالجوف وغيرها يجب أن يستفيدوا من دخول السياح إلى مناطقهم، وأنهم متى ما بدأت أسرهم تنتفع من السياحة سينبذون ظاهرة اختطاف السياح الأجانب وسيمنعون أي شخص تسول له نفسه الإقدام على هذا الفعل من الإساءة لسمعة مناطقهم والإضرار بمصالحهم. إن هذا المفهوم ينبغي أن تبنى على أساسه كل توجهات العمل المستقبلية والخطط الحكومية لإنعاش السياحة . وقد سبق لي أن تحدثت بهذا الموضوع بإسهاب لأننا كإعلاميين نلمس على أرض الواقع فجوة كبيرة بين المواطن وبين تطلعات صناع القرار، حيث إن الهيئة العامة للآثار تقدر «70%» من أعمال تهريب الآثار والمتاجرة بها تحدث في الجوف، وتتحدث أيضاً عن أناس بأعداد كبيرة لاهمّ ولاشغل لهم سوى نبش المواقع الأثرية ليلاً.. والمنطق هنا هو أن هؤلاء يبحثون عن المنفعة المادية، ولو تحققت هذه المنفعة مع بقاء الآثار في مكانها لما أقدموا على هذا الفعل. مشكلة السياحة هي ليست مشكلة ترويج فقط، وإنما أيضاً توجيه نحو استثمار أفضل وأشمل لاينحصر بوكالات السياحة والسفر، أو الدوائر الحكومية ، أو المنشآت الاستثمارية الكبيرة التي تديرها شركات خارجية وإنما تمتد إلى الفرد نفسه، وتنعكس على بيئته. لاشك أن ما أنجزته وزارة السياحة لحد الآن هو شيء طيب ولا تغفل عنه عين ، خاصة في ظل الموارد الضعيفة للبلد.. إلا أنه يظل طموحنا كبيراً، ومازلنا نعتقد أن تبادل الرأي ووجهات النظر مع الجهات الرسمية هو أمر لصالح الجميع، ويعطي للإعلام وظيفته المسؤولة كمراقب، وصاحب رأي .. لا أكثر !