رغم كونه وزيراً حديث العهد بوزارته، إلاّ أن وعيه بالمسئولية سبق المنصب بكثير.. فهو الشاب الذي انتفض ذات يوم بكل عنفوانه ليقول: لا لتخلف السياحة في بلد يوصف بمهد الحضارة.. لا لتخلف وسائل الترويج في بلد اقترنت الحكمة بيمانيته.. ويومها وقفت أقلامنا مبهورة، تتساءل بدهشة: كيف لهذا الرجل أن يجازف بمنصب "وكيل وزارة"، لمجرد أن يحتج، ويغضب على واقع سئمنا جميعاً من انتقاده! لكننا عندما اقتربنا آنذاك من أفكاره، ولامسنا تصوراته أدركنا كم هو مؤلم أن نتحمل عياء الجوع فيما الكنوز من حولنا، ولا نجرؤ على استثمارها كما يفعل الآخرون..! وكم هو مثير للغضب أن يومئ البعض بإصبعه ليدلنا على خبزنا، فيما نكابر بغرور ونفضل الغوص في أوهام عنادنا! لذلك وجدت "نبأ نيوز" نفسها على أبواب مكتب الأخ نبيل الفقيه – وزير السياحة- لتبحث معه هموم السياحة في اليمن، ولتقرأ بعض أفكاره، وخططه لمستقبل قطاع طالما أكدت قيادة اليمن أنه " نفط لا ينضب".. فكان لنا معه الحوار التالي:- .. (( اليمن- مقومات فريدة للسياحة)) .. * يتحدث مسئولون أن مستقبل اليمن سياحي وليس نفطي، فعلام تراهنون من أجل بلوغ ذلك؟ -- رهاننا على المستقبل ، وعلى قناعة القيادة السياسية ممثلة بالأخ رئيس الجمهورية بأن للسياحة دور أساسي في دعم الاقتصاد الوطني.. رهاننا على أبناء اليمن في إمكانية تحقيق قفزة نوعية في المجال السياحي ، وتحويل اليمن الى وجهة سياحية- لنقل في المنطقة بشكل أساسي، نظراً لما تملكه اليمن من مقومات تنفرد بها – سواء تاريخية، أو حضارية، أو مقومات ثقافية وإنسانية تتمازج معها مقومات الطبيعة بما حباها الله لليمن من طقس وتضاريس يكاد ينفرد اليمن بهذا الجانب ، وبالتالي نأمل - إن شاء الله - أن يكون لليمن موقعها السياحي المتفرد على مستوى المنطقة. .. ((الجانب المادي عائق أكبر)) .. * منذ سنوات واليمن تراهن على السياحة في الوقت الذي ما زالت منشآتها السياحية تفتقر لأبسط الخدمات-كالحمامات مثلاً- فكيف تعللون ذلك؟ -- أنها معاناة قديمة ومتجددة ولكن إن شاء الله تكون لنا وقفات جادة في إصلاحها .. الواقع السياحي في اليمن يشهد تحول نوعي من حيث إقبال الوكالات السياحية والمستثمرين على الاستثمار في المنشآت الخدمية ، ولكن هذه لا تلبي احتياجات وطموحات السياحة في اليمن.. توفير الخدمات الأساسية في المنشآت السياحية هي من أهم النقاط التي سنخوض فيها خلال الأيام القادمة.. والشيء بالشيء يذكر، لدي الآن مخططاً كنا نناقشه اليوم مع شركات مختلفة لموضوع الحمامات والاستراحات في بعض الأماكن السياحية بالإضافة الى إيجاد مراكز معلومات ومراكز شرطة في بعض المحافظات.. كل تلك المعالجات تنصب في تقديم الخدمات الأساسية للسائح – سواء من حيث المعلومة أو الخدمة الأساسية كالحمامات على الطرق، وفي المواقع الأثرية السياحية. لعل الجانب المادي وتوفير الميزانيات الكفيلة بتحقيق هذه الطموحات هي العائق الكبر خلال المرحلة القادمة ، والتي هي مرحلة تثبيت دعائم البناء المؤسسي للقطاع السياحي بشكل أساسي. العمل لا بد أن يكون بخط متوازي في توفير الخدمات من خلال جذب مستثمرين ، ومن خلال الدفع بالعملية عبر المجالس المحلية عن طريق توفير اقتراض ميسر من قبل بعض البنوك التجارية ، وبعض الصناديق الممولة . الخطين المتوازيين يجب أن يتواءم معهما القطاع الخاص لاحتواء مثل هذه التغييرات وتنميتها. فرهاننا على القطاع الخاص في توفير الخدمات كبير جداً ، ويكاد يكون منطلقنا، وحجر الزاوية في التنمية السياحية - وإن شاء الله - نحقق ما نأمله بتوجيهات ودعم القيادة السياسية. .. (( وللأهالي نصيب من الخير)) .. *ألا ينبغي رفع الوعي السياحي محلياً قبل الترويج في الخارج؟ -- أكيد لسبب بسيط جداً لأن الوعي بأهمية السياحة ودورها في تنمية المجتمع مرتكز أساس، ليس فقط لدورها في تنمية المجتمع بل في انعكاساتها على المواطن داخلياً.. فالتوعية السياحية ستأخذ حيزاً كبيراً من وزارة السياحة مستقبلاً لذلك أفردت لها إدارة عامة للتوعية والإرشاد السياحي.. فهناك جملة من التوجهات الخاصة في تنمية السياحة الداخلية وعمل حراك لها من خلال برامج موجهة، وبتكاليف ضمن مقدور المواطنين سواء عن طريق التقسيط، أو عن طريق الاقتراض الطويل الأجل.. وهذا كله من أجل تنمية الوعي السياحي وتثقيف المواطن اليمني بأهمية السياحة ودورها في تنمية المجتمع. أعتقد أيضاً أن هناك نقطة مهمة وهي الربط بين الفائدة المرجوة من السياحة وأبناء المناطق المستهدفة للترويج السياحي.. فهذا مهم جدا في المرحلة القادمة من خلال تحديد جملة من الخدمات والمشاريع الاستثمارية الصغيرة، بحيث يتم تنمية الصناعات الحرفية لدى بعض المناطق وتحسين الخدمات من خلال الاقتراض- كما أسلفت- ليساعد ذلك على إقامة خدمات سياحية تعود بالنفع على أبناء المناطق السياحية .. فعندما يشعر أبناء هذه المناطق بأنهم بدءوا يلمسوا الفائدة من السياحة فمن المؤكد أن يكونوا أكثر إدراكاً ووعياً بأهمية السياحة. .. ((محاكاة العالمية، وإعادة تأهيل )) .. * ألا تعتقدون أن آليات الترويج السياحي اليمني في الخارج ما زالت متخلفة؟ -- بل لنقل أننا لا نملك الآلية للترويج السياحي في الخارج، وبالتالي فاتجاهنا في تنمية الترويج للسياحة في الخارج ينطلق من عدة محاور: أولاً في تحديد المنتج السياحي المراد ترويجه بطريقة صحيحة، ومحاكاة العالمية في موضوع وسائل الترويج سواء كانت أفلام وثائقية، أو مواد ترويجية، أو النشرات والبروشورات والمجلات والدوريات التي يصدرها مجلس الترويج السياحي. هناك أيضاً توجه نحو تحسين علاقاتنا في الترويج السياحي الخارجي من خلال إيجاد شركات أو وكالات علاقات عامة في مجلس الترويج السياحي أو تمثل البلد في الترويج السياحي الخارجي. وهذه كلها تأتي في إطار اهتمام وزارة السياحة ومجلس الترويج السياحي بتحديث آلية العمل في مجال الترويج.. مجلس الترويج السياحي يهدف حالياً الى إعادة تأهيل الكادر العامل في المجلس سواء في مجال الحاسوب، أو في مجال تحسين اللغة الانجليزية وهذه كلها تصب في تحسين آليتنا في التعامل مع المنتج والترويج للسياحة. * ماذا عن معهد السياحة والفندقة، هل ما زال بعيداً؟ -- هناك معهد للسياحة والفندقة مقدم بمنحة من المجموعة الأوروبية - وإن شاء الله - خلال الشهور القادمة ومع نهاية هذا العام سيتم تدشين المعهد السياحي الفندقي .. إذ نحن في الخطوات التنفيذية النهائية فيما يخص تحديد آليات تشغيل المعهد من خلال مجلس الأمناء، أو تحديد الكادر العامل في المعهد، وتعيين المدربين، وتعيين شركة متخصصة أو معهد دولي متخصص يقوم بالإشراف على تشغيل المعهد في السنوات الأولى بحيث ينقل الخبرات التراكمية لنظرائه اليمنيين، ومن ثم التشغيل مستقبلا بكوادر يمنية.. أما في المرحلة الأولى فإننا حتى نحاكي العالمية في منتوجاتنا السياحية ، وفي منتوج الخدمة والإرشاد السياحي يجب أن نستعين بمن هم أهلا لتقديم مثل هذه الخدمات. .. (( افتتاح المتحف الوطني )) .. * من المفارقات المؤلمة أنه عندما أصبحت صنعاء عاصمة الثقافة العربية أغلقت اليمن جميع متاحفها – باستثناء الحربي، فما هو وضع المتاحف بالنسبة لكم ؟ -- أنها حجر الزاوية في الحراك السياحي التاريخي والثقافي في اليمن - وفي غير اليمن.. فالمتاحف – للأسف الشديد- وبالذات المتحف الوطني بصنعاء أقفل منذ عام 2002م والى هذه اللحظة، وهذا يمثل إزعاج سواء للسياحة أو للسائحين.. لدينا في الوقت الحاضر اهتمام متنامي بسرعة الانتهاء من ترميم المتاحف في مختلف محافظات الجمهورية ، ولدينا توجه بسرعة افتتاح المتحف الوطني في غضون الاحتفال بأعياد الوحدة اليمنية في 22 مايو ، وهناك برنامج من قبل الهيئة العامة للآثار في استكمال الترميمات الخاصة بالمتاحف سواء كانت في لحج ، تعز، عدن بحيث تكون المتاحف كلها مهيأة لاستقبال السياح، وتقديم الوجه الحضاري والتاريخي لليمن. .. (( خمسة حلول لحماية الآثار)) .. * هل هناك نية لاتخاذ موقف شجاع إزاء تهريب الآثار، خاصة وأن مسئولين في الدولة متهمين بتسهيل الأمر؟ -- كان لنا حوار طويل جدا ودراسة مشتركة بين الوزارة والأخوة في محافظة مأرب ومحافظتي شبوة والجوف في كيفية وضع خطة بديلة للكيفية التي يتم بها حماية الآثار.. لنكن صادقين مع أنفسنا.. الخطأ الذي تم ارتكابه في آلية التعامل مع الآثار التي بأيدي المواطنين من خلال شرائها من قبل صندوق حماية التراث قاد الى تشجيع الناس على نهب الآثار، والتنقيب في أماكن غير مسموح بها وبالتالي تخريب مواقع أثرية هامة ، لأنه هناك مناخ معين لشراء مثل هذه القطع.. وبالتالي أصبحت تجارة رسمية. أعتقد أن الحل الأسلم لحماية الآثار هو أولاً وقف شراء أي قطع أثرية أو مخطوطة ، وثانياً ضبط الحدود بشكل قوي جداً بحيث يمنع تهريب أي قطع أثرية الى الخارج – سواء من المنافذ البرية أو البحرية أو الجوية .. والحمد لله علاقاتنا الجيدة مع دول الجوار أثبتت تنامي مضطرد في مجال ضبط الحدود وحمايتها من عمليات التهريب، وثالثاً وضع حماية قوية جداً من خلال قيام المجالس المحلية بالمحافظات بحماية المناطق الأثرية بشكل فعال ، ورابعاً إتاحة الفرصة للكوادر اليمنية المتخصصة في مجال التنقيب عن الآثار والمخطوطات في عمل المسوحات والدراسات والبحث الميداني وتشجيعهم على القيام بأدوارهم على أكمل وجه . وخامساً إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي تم إبرامها مع الدول الشقيقة والصديقة الخاصة بالبعثات الأثرية بحيث يكون هناك نظراء وباحثين يمنيين ، وإعطاء مساحة أكبر للباحثين اليمنيين أكثر مما يعطى للأجانب بأن يعطوهم الثقة بأنفسهم وبحماية آثار بلدهم بشكل سليم .. هذه هي المعالجات التي من وجهة نظري قد تكون صحيحة.. نضع هذه القضية موضع بحث من خلال ورشة عمل تكون فيها الشفافية في الطرح ووضع المعالجات بصورة صحيحة.