هناك عدة تفسيرات ووجهات نظر متباينة حول العولمة كمفهوم ظهر بقوة على سطح السياسة الدولية، فالبعض اعتبر أن العولمة ليست وليدة اليوم بل كانت موجودة عبر التاريخ من خلال الكشوفات الجغرافية التي أراد لها أن تقرب المسافة والبحث عن اسواق جديدة ومواد خام أولية لتلك الصناعات، وصولاً إلى الثورة التكنولوجية الحديثة، كل ذلك جعل منها مجرد نقل لخبرات وثقافات معينة للآخر، والبعض يرى أن العولمة ظهرت بتجلياتها الحالية بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في أواخر ثمانينيات القرن الفارط، وهناك آراء مختلفة تنظر إلى العولمة من زوايا اخرى، لكن المشكلة تكمن ليس في تحديد المدى الزمني لظهورها، وإنما تكمن في تفسير المصطلح ذاته، حين لجأ البعض إلى ادلجته كما فعل فوكوياما في كتابه الشهير «نهاية التاريخ» والبعض لجأ إلى اعتباره مجرد تطور حدث في الجانب التكنولوجي وثورة المعلومات عمل على تقارب دول العالم بحيث أصبح العالم قرية واحدة يمكن معرفة ما يدور فيها من دقائق محدودة. من الصعب بمكان الوقوف على جميع وجهات النظر حيال مصطلح العولمة نظراً لارتباطه بعدد من الجوانب الأخرى والتي أصبحت مقترنة به، كأن يقال العولمة الاقتصادية التي تطرح العولمة وتبحث فيها بالنظر إلى الجانب الاقتصادي وأثرها فيه، فإذا ما أخذنا العولمة من حيث علاقتها بالثقافة، أو ما يطلق عليها العولمة الثقافية فإننا سنجد أن هنالك تناقضاً بين الشعارات التي ترفعها الدول المساندة لها وبين أفعالها التي تحاول من خلالها المحافظة على هويتها الثقافية بكل السبل، فالعولمة الثقافية كما يراها البعض تعني فتح الحدود أمام المكتسبات الأدبية والفنية والثقافية دون عراقيل، فإذا ما سلمنا بذلك المقصد فهل ستسمح الدول الرأسمالية الغربية بفتح حدودها أمام تلك المكتسبات الوافدة إليها من الدول الأخرى مثلاً الدول الإسلامية على سبيل المثال بالطبع لا.. إذا كانت الكثير من الدول الغربية ترفض فتح حدودها في ما بينها لتلك المكتسبات كما هو الحال بين فرنسا وبريطانيا والتي تعتبر كل منهما أن خصوصياتها الثقافية تختلف عن خصوصية الأخرى، وكذا الحال بين فرنساوالولاياتالمتحدة فقد قاد الوزير الفرنسي الاسبق في عهد الرئيس ميتران الوزير جاك لانغ حملة ضد سيل الافلام الامريكية التي غزت السوق الثقافية الفرنسية، وفي نفس الاتجاه كانت المعركة تدور بين اليابانوالولاياتالمتحدة. وإذا كان الحال بهذه الصورة بين الدول الصناعية في المحافظة على خصوصيتها الثقافية من التلاشي والذوبان بفعل الثقافة الوافده إليها رغم امتلاكها الحصانة والقدرة على البقاء في مأمن من ذلك، فكيف الحال بنا نحن العرب الذين لا توجد لدينا استراتيجية متكاملة لمجابهة تلك التحديات الثقافية، والتي تأتي في مقدمتها الحفاظ على الهوية الثقافية العربية من الاستهداف الذي يطالها لفرض ثقافة معينة لصالح القوة التي استفردت بالقرار العالمي، وكما هو معلوم فإن الولاياتالمتحدة خلال السنوات الأخيرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي اصبحت تفرض على الدول الأخرى القيم الثقافية الامريكية وذلك عن طريق التعبئة الإعلامية الهائلة التي تمتلك الوسائل التقنية اللازمة لفرضها على الآخرين، فهل العولمة الثقافية تعني فرض الثقافة والخصوصية الامريكية على الآخرين؟ فإذا كانت الولاياتالمتحدة نفسها ترفض تغلغل الثقافة الوافدة إليها بحجة خصوصية المجتمع الأمريكي فكيف تفرض على الآخرين ثقافتها تحت مبرر العولمة الثقافية، إن الثقافة التي يراد لها أن تكون تحت سطوة العولمة أنها يراد عن طريقها تفتيت الهوية الوطنية بثقافة وافدة بعيدة عن قيم المجتمعات الخاضنة لها، فالواجب يقتضي أن تحافظ كل بلد عن هويتها الثقافية من سطوة العولمة الثقافية التي تسعى إلى فرض قيمها وثقافتها عليها، وتحافظ عليها من الانسلاخ والذوبان بفعل الاختراق والغزو الثقافي الذي يسكبها تلك الهوية والخصوصية.