لعل الدرس الأهم في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هو قلب معادلات الحياة الرتيبة، وإصرار المجتمع الإسلامي الأول على التغيير وبناء وتشكيل وعي إنساني متكامل الأبعاد والعواطف والتطلعات، يعشق الدين والدنيا معاً، يتدربون بصورة متسارعة لتنسيق المجتمع الجديد، وإنشاء الدولة الإسلامية القادرة على استيعاب طموح وتطلعات المهاجرين والأنصار ومن ساكنهم من اليهود وغيرهم.. وقد ترجم رسول الله وأصحابه عملياً قيم التسامح الديني وقدرة الإسلام على التعايش مع الآخر وتقبله وحماية حقوقه وحرياته. ثمة واجب يدعونا جميعاً لقراءة دروس الهجرة النبوية مرات عدة، واستيعاب الأبعاد الروحية والإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، كونها التأصيل الديني والحضاري والتاريخي لدرس التغيير وأهمية التجديد وإعادة بناء الإنسان «الفرد والجماعة» فيما يخدم المجتمع ويدعم قوة ومنعة الدولة وحياة وتوهج الضمير، وفهم وإدراك الروادع والزواجر، واستحضار أهمية المراقبة والمحاسبة لكل فرد وخاصة أولئك الذين تحملوا أمانة الوظيفة العامة، وقبلوا كل الأحكام المترتبة على إهمالهم أو تلاعبهم بما ائتمنتهم الجماهير عليه، كل ذلك في ظل المواطنة المتساوية والاحترام اللامتناه لإنسانية الإنسان وحقوقه وكرامته. إذاً التغيير والتجديد الدائم لما من شأنه إصلاح ما اعوج، ومعالجة ما سقم من مصالح المجتمع ومؤسسات الدولة ومرافقها فريضة إنسانية قبل أن تكون دينية، ووضع آلية التداول والتناوب بين أبناء المجتمع في إدارة شؤون الوظيفة العامة سياسية كانت أو إدارية بما يخدم قوة وتماسك النسيج الاجتماعي وتنامي الشعور الوطني كون ذلك سيعمل على تنافس كل أبناء الوطن على تقديم الأفضل والسعي لخدمة المجتمع واستحضار المراقبة والمحاسبة والاحترام والاحتقار حين يقدم على خطوة أو عمل اجتماعي وإضافات وطنية واستحداث مشاريع ومنجزات تخلد نظافة وإخلاص ووطنية كل منهم. عام جديد علينا أن ننتقل معه إلى المستقبل نطوي في وعينا وذاكرتنا صفحات عصيبة شكلتها هموم أمة بأكملها، حروب ومشانق وضعف ذاتي في وعي وعقل الإنسان العربي في مقابل تطور واستكبار واستقواء الغرب بأكمله، تطاحن مذهبي استهلكنا لأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن ومازال ينخر جسد الأمة ويأكلها من الداخل ليزيدها ضعفاً وتمزقاً إلى ما هي فيه. هلاّ أفقنا ولامسنا بعقولنا وقلوبنا وتفكيرنا وعواطفنا وتطلعاتنا المستقبل، بدلاً من دس رؤوسنا في الماضي وربط أقدارنا بشخوصه ومذابحه وأحزانه وتقليعاته وتناقضاته وصراعاته، حولنا بتلك المفردات نهار أمتنا إلى ظلمة ومشانق ومذابح ودماء وبكائيات ورايات حمراء مصبوغة بالدماء، وسوداء مصبوغة بالحقد والكراهية والنقمة على المسلم نفسه ضد نفسه؟!. ليكن العام الجديد جسرنا إلى التغيير المنشود وتجديد الآليات والوسائل والشخوص في إدارات ومؤسسات ومرافق الدولة بما يجدد إحساس وتفاعل الجماهير اليمنية مع كل توجه، والدفع بكفاءات جديدة في توزيع عادل للمهمات بين شرائح المجتمع اليمني، لأن الثورة اليمنية قامت على أنقاض الاحتكار الأسري والعشائري للوظيفة العامة، وقيادتنا السياسية قد جسّدت تلك الخطوات الوطنية من أجل اليمن الموحد الجديد.