سبق للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أن أكد عند انتهاء فترة ولايته الرئاسية على أنه عائد إلى أعلى وظيفة في الدولة ، وهي«وظيفة المواطن» . هل المواطنة «وظيفة» أم أنها «واجب»؟ وما الدور المطلوب من «مؤسسات المجتمع المدني اليمني لترسيخ قيم المواطنة؟ أسئلة كثيرة أثارتها ، ولازالت تثيرها أحداث الفتنة التي عرفتها مدينة صعدة اليمنية والتي وجدت لها بعض الاصداء في مناطق متفرقة من مجتمعنا اليمني ، وتثيرها المواقف التي عبرت عنها بعض مؤسسات المجتمع المدني اليمني من تلك الأزمة بداعي حماية حقوق الإنسان واحترام المواثيق والعهود الدولية. وقع بين يدي كتاب لا أبالغ إن قلت إنه في غاية الأهمية بعنوان «التعليم والمواطنة : واقع التربية المدنية في المدرسة المصرية» لمؤلفه «مصطفى محمد قاسم» صدر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، سنة 2006م وهو الكتاب رقم (6) ضمن سلسلة الأطروحات الجامعية. ونظراً لأهمية الموضوع الذي يطرحه الكتاب وخاصة في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها وطننا اليمني مع تنامي حدة التحديات الداخلية والخارجية فقد أخذت منه الفقرة التالية لأدشن بها الحديث حول الدور المنتظر من مؤسسات «المجتمع المدني» اليمني في التربية على المواطنة والقيم التي تعزز من دور المواطن اليمني في خدمة مجتمعه والتفاني فيها، كما استعنت بما ورد في الكتاب من فقرات لتدعيم فكرة المقال الأساسية عن أهمية التربية على قيم المواطنة. ففي مقدمة الكتاب يشير «مصطفى قاسم» أن الواقع المستمد من العديد من النماذج ، وعبر المراحل التاريخية المختلفة في منطقتنا العربية يؤكد على : «أن ضمان صحة وسوء العلاقة بين الفرد والدولة، بما يحقق لهذا الفرد حياة كريمة وعادلة يكون فيها مواطناً بحق داخل دولته ، لا يوفره مجرد إصدار التشريعات وسن القوانين والتصديق على العهود والمواثيق العالمية ، طالما بقيت الأفكار والقيم والمثل والمهارات وأنماط التفكير بين الجماهير إلى شكل متخلف لهذه العلاقة .. يتم فيه هدر معظم ما نصت عليه هذه الدساتير وتلك المواثيق في غياب الحاكم الملتزم والذي يعد التزامه في المجتمعات المعاصرة أمراً أخلاقياً يتوقف على نمط الشعوب ، إما في حاكم تهديه الاقدار لها ، أو حاكم تعاقبهم به ، بل بتنمية وعي وقدرة هذه الشعوب على أن تكون طرفاً فاعلاً ومتكافئاً معه في رسم وتحديد مصير الوطن ، أو بمعنى أدق أن يتحول أفراد الشعب إلى مواطنين يمارسون مواطنتهم بكفاءة». ويضيف إن «تغيير المجتمعات بالمعنى العام لا يمكن أن يكون إلا بتغيير البشر ، وتغيير البشر لا يمكن أن يكون إلا بتغيير الذهنية، وأنماط القيم السائدة في المجتمع ، ولم يكن من الغريب أن يحتل التعليم مكانة متميزة في قلب كل مبادرات الإصلاح السياسي التي طرحت في مجتمعاتنا العربية، سواء تلك التي نبعت من الخارج أم من داخل المجتمع العربي باعتبار أن الإصلاح يهدف في نهاية المطاف إلى تصويب وتقويم العلاقة بين الدولة والمحكومين داخل مجتمعاتنا العربية، ولأن الإصلاح يصعب تحقيقه دون صقل وتهذيب وتقويم الإطار الثقافي المتحكم في تلك العلاقة، بما يتضمنه من قيم واتجاهات ومثل وأفكار ومهارات وأنماط تفكير تمثل في النهاية منهجية العلاقة بين الجماهير والنخب الحاكمة ، وتحويل الفرد إلى مواطن لا يتم إلا بتحرير ذهنه من أقفاص الذعر والتقديس والاستسلام والخضوع ، وتنقية قيمه مما يعلق بها من قيم ترسخ الاستسلام للأمر الواقع، وتأكيد العجز عن التغيير». تطرح الفقرة السابقة العديد من العلاقات الاشكالية ، وربما العديد من الأسئلة ، قد لا يتسع المقام لذكرها والحديث عنها ، ولعلنا سنكتفي بالإشارة إلى أهمها ، وهي : العلاقة بين الفرد المواطن والدولة، والعلاقة بينه وبين الحاكم، وأهمية التزام الحاكم بالقوانين والتشريعات والمواثيق الدولية ، مكانة التعليم والتربية في مبادرات الإصلاح السياسي ، وأخيراً ضرورة الوعي السياسي في ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة، وهو الوعي الذي يمكن أن يتطور ويدعم بالتربية على قيم المواطنة الحق، ولعل الكاتب سيتطرق في هذه التناولة العلاقة الأخيرة أي التربية على قيم المواطنة، وربما يرجع في القادم من الأيام إلى الحديث عن باقي العلاقات المشار لها أعلاه. هناك شبه إجماع بين الباحثين على أن مسألة «المواطنة» احتلت مكانة متميزة في صلب نقاشات واهتمامات العديد من السياسيين والباحثين المهتمين بالتطورات التي تعرفها العديد من مجتمعاتنا، وخاصة عقب التطورات التي عرفها النظام الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مروراً بأحداث التفجير في 11 سبتمبر 2001م ، وفي هذا الصدد يشير «توريس Torres» إلى أن مسائل المواطنة والديمقراطية والتعددية الثقافية توجد في قلب النقاشات الجارية على مستوى العالم حول الإصلاح التعليمي بشكل يجعلها تؤثر على معظم القرارات المتعلقة بتحديات التعليم المعاصر، ونتيجة لذلك يجمع الباحثون والمهتمون التربويون من خلفيات متنوعة حول إيمان مشترك بضرورة إعادة التفكير في التدخل التعليمي لمواجهة قضايا المواطنة ، والعرق، والاثنية ، والثقافة، والنوع. وفكرة «المواطنة» كما تشير العديد من الأبحاث والدراسات ليست بالفكرة الحديثة بل تعود إلى عصر الدولة المدنية في الحضارة اليونانية القديمة، ومنذ ذلك الوقت تطورت وتعمقت مساحة المشاركة الديمقراطية ، وعرفت عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر العديد من التطورات التي عمقت من مفهوم المواطنة القائمة على أساس المساواة الكاملة في الحقوق السياسية بين المواطنين باختلاف النوع والمكانة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وكذا باختلاف العرف، وغيرها من الفروق والتمايزات التي ظلت ردحاً طويلاً من الزمن تشكل أسساً للتمييز والاختلاف داخل المجتمع الواحد، وربما شكلت في الماضي .. كما تشكل في الحاضر بؤرة للشقاق والصراع السياسي والاجتماعي. ويذهب البعض من الباحثين إلى أن المواطنة التي تعد وظيفة يتحتم على المواطنين القيام بأعبائها ومسئولياتها ليست بالشيء الجديد إذ تم إدراكها وإقرارها منذ زمن بعيد ، حيث تعود لزمن اليونانيين والرومانيين. بل إن المواطنة في المجتمعات الحديثة ترتبط بمسألة التعددية الثقافية والتنوع القيمي ، وما ينتج عنها من مشكلات تتعلق بالتماسك الاجتماعي .. إن المجتمعات الحديثة تتميز بالتنوع الثقافي الكبير وهو يستلزم التعايش بين عقائد دينية وعرقية ، وأيديولوجية مختلفة ، إلى جانب ما تحدثه العولمة من تأثيرات تخللت طرق الحياة التقليدية ، بشكل غير مسبوق ، حتى لم يعد أمام الناس بديل عن الوعي بطرق الحياة والقيم والمعتقدات البديلة والتعايش معها، وهذا يحيل إلى ضرورة خلق مجتمع مفتوح «بحسب تعبير كارل بوبر» يشجع العامة وليس فقط الفلاسفة والمفكرين ، على دراسة معتقداتهم ومعتقدات الآخرين، ويحثها بطريقة عقلانية. إذن فقد أصبحت المواطنة في عصرنا الحاضر تقوم على أساس العضوية الفاعلة والمشاركة النشطة في جماعة ما، كما تتضمن الإحساس بالارتباط والولاء لمفهوم الدولة أو النظام المدني وليس لشخص ملك أو رئيس ، وهي تقوم على فكرة الانتماء والأشياء المشتركة . إذ المواطنة بذلك تعني العضوية النشطة في مجتمع سياسي في إطار من الحقوق والمسئوليات التي يحددها الدستور والقانون .. وعليه فلايمكن لعاقل أن يساند أو يشجع ممارسة تلك الحقوق خارج إطار الدستور والقوانين النافذة في المجتمع أياً كانت الدوافع والمبررات ، كما لا يمكن أن يقبل أن تقوم الدولة بالاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم المدنية والسياسية ، وغيرها، لذا تصب الحجة المعتمدة على وجود خروق تطال حقوق الإنسان ، وانتهاك المواثيق الدولية لتلك الفئة من الناس الخارجين على القانون ، والمعتدين على حقوق المواطنين الآخرين ، أقول تصبح حجة داحضة وباطلة ، وذرائعية تبحث عن إلباس تلك الفتنة لباساً «حقوقياً» تغطي حقيقته المتمثلة في كونه «عملا إرهابياً، وخرقاً سافراً للقانون، ويقوم على التعصب ، والطائفية، والرغبة في إحداث الفتنة في مجتمعنا اليمني». وكان المفترض في العديد من مؤسسات المجتمع المدني اليمني أن تقوم بوظيفتها كوسيط محايد، وأن تقوم بدورها في التوعية والتربية على المواطنة التي لها شقان : حقوق يقابلها واجبات والتزامات بالولاء والطاعة للدولة ولقوانينها، واعتماد أساليب التغيير والتطوير والحوار السلمي والحضاري، ونبذ أساليب العنف بكافة صوره وأساليبه ، وأياً كان مصدره. - أستاذ العلوم السياسية جامعة إب