كان الجاحظ قد انتصر للعرب عندما كتب «البخلاء» فالجاحظ ؛ هذا الأديب الفيلسوف العظيم قد استطاع أن يظهر هذا الجانب من شخصيته العظيمة المفكرة في كتبه الكثيرة ك«الحيوان، والبيان، والتبيين، ورسائل الجاحظ» وعشرات الكتب الأخرى، بينما تتجلى شخصيته الفنية من خلال «البخلاء» الذي انتصر فيه للعرب ضد الشعوبية الفارسية. ولم أقف على رأي له فيما قرأت أنه صنف البخيل على أنه غير واثق بالله تعالى الذي تكفل الرزق لعباده، سواء أكانوا مسلمين أم كفاراً، كما ضمن ذلك الشاعر اليمني بقوله: «كافر ومسلم ورازقهم سواء!!» لأن البخيل يتهم الله قد لا يعلم ذلك بأنه سوف يقبض يديه بعدما بسطهما، وهذا طبع اليهود: (وقالت اليهود يد الله مغلولة ، غُلّت أيديهم ، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) فطبع اليهود بنص القرآن هو البخل. وعكست هذه الطبيعة آداب الأمم في القديم والحديث، وربما قرأ كثيرون من القراء «تاجر البندقية» لشكسبير المسرحي الانجليزي المعروف، وهم الذين علّموا الأمم الأخرى «فن الربا» وهو فن معقد يفرش لك بساطاً من حرير حتى إذا ما اطمأننت إليه ألقى بك في مهاوي الهلاك، وقد يكون هذا البساط الحريري شعاراً إسلامياً، ولا أعلم أن الإسلام يبيح في حال من الأحوال أن نقترض أي مبلغ يضيف عليه مبلغاً آخر هذا البنك أو ذاك.. فالإسلام يعرف وحسب «القرض الحسن» الذي تمنحه بعض البنوك للأثرياء الذين لا يحتاجون للقرض أصلاً مقابل مجاملات اجتماعية أو مصالح أو!!. وقال صديق بخيل: ما يدريك بماذا تأتي الأيام، فهذا الصديق تاجر يستورد الأخشاب ومواد البناء وأشياء أخرى؛ لكنه فرض على أولاده أن يكون الفطور قرصاً من الروتي لا يزيدون عليه، أما الغداء فعصيد بمقدار طبعاً وأما العشاء فعلبة فاصوليا.. ثم إن مفتاح المخزن بجيبه ينام معه؛ لأنه يعلقه في رقبته، ولا ينسى أن يحتفظ بخزينته في متجره بكشف يتضمن عدد علب الفاصوليا والصلصة، وهو يقوم بِعدِّ حبوب البيض، ويقدّر كم جراماً من الدقيق والزيت لمدة شهر.. وغداً لقاء.