ولكي يطمئن هذا الصديق البخيل كل الاطمئنان فإنه يأخذ يميناً غليظة من زوجه، ليس هذا اليمين بلفظ «والله» لأن هذا اللغو لا يكفي، ولكن هذا اليمين نصه ما يلي: «والله العظيم، الحاطم الناقم المنتقم، عالم الغيب والشهادة، من غير لف أو دوران .. إلخ» وعجبت لكلمة «لف أو دوران» التي هي تفسير عامي لعبارة «في غير تأويل بحال تلك العبارة التي كتبها ابن المقفع لعم الخليفة العباسي.. فكان سبب قتله». فالبخل إما فلسفة كفلسفة الفرس الذين حدثنا عنهم الجاحظ، أو نقص إيمان وعدم ثقة بالله كما هو عند اليهود، أو طبع غلب التطبع عند صديقي التاجر الذي يزعم أن الفاكهة التي في السوق إنما تظهر بهذا الشكل الأنيق لأنها «مبودرة» والبودر يجلب السرطان الذي هو سبب الموت، ولكن نهاية الموسم ربما تكون أفضل، وينتهي الموسم دون فاكهة!. وقد حرمم صديقي القات ليس لأنه إهدار للصحة والوقت؛ ولكنه إهدار للمال، وهو يرى الفاكهة مكروهة شديدة الكراهية؛ لأنها من باب «الفضول» فالأصل هو العصير، وفي سياق الفضول تأتي «السلطة» والعصير والعطور والملابس الجديدة في غير أيام العيد، وغسل الأيدي وربما الأجسام بالصابون. كما أن من باب الفضول ماكينة الغسيل، فالغسل باليد أفضل، ولماذا نستغني عن عطية الله لنا «الأيدي» لنستخدم صناعة الكفار؟!. ودعاه ابنه الصغير لحضور بعض دروس شيخه في المسجد، فسعد بهذه الدعوة وبدأ ينصح أبناءه بأن يقتدوا بأخيهم الصغير، وكان الإعجاب بهذا الشيخ صادراً عن تحريمه أن يجتمع على المائدة أكثر من صنف من الطعام، فلم يجتمع إدامان على مائدة الرسول الكريم. ثم إنه يحرم الآيسكريم والتلفزيون وإجابة دعاوى الأعراس، أما الآيسكريم فلأنه تشبه بالكفار فلم يعرف الرسول ولا السلف الصالح هذا الطعام، وأما التلفزيون فلأنه يستهلك الكهرباء بكثرة أولاً؛ ولأنه يعرض أجساد الراقصات ثانياً.. ولأن الأعراس تكلّفه دفع أجرة «الدبابات» ذهاباً وإياباً.. أما سيارته فلم يركب عليها أحد من أبنائه حتى أيام الامتحانات.. نعم أكثر من مرة يركب عليها زوجه لأنها خالفت التعاليم التموينية فطبخت بيضاً إضافياً قبل الظهر وما شابه ذلك.