في الساعة الثامنة من صباح يوم الخامس من يونيو عام 67م أعلن المذيع الشهير والأشهر من إذاعة صوت العرب أحمد سعيد ومعه زميله محمد عروق في تقديم البرنامج السياسي أكاذيب تكشفها الحقائق ..إن إسرائيل بدأت الحرب على الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن التي كانت الضفة الغربية تحت وصياتها ، أي تحت إدارتها وفي الساعة التاسعة وفيما ملايين العرب مشدودة بآذانها إلى أجهزة الراديو في المقاهي اليمنية ومكبرات الصوت التي نصبت في اليمن فوق بعض المباني الحكومية زف بشرى أولى بشائر النصر قائلاً : إنه قد تم خلال ساعة إسقاط خمسة وعشرين طائرة إسرائيلية ، فأغمي على كاتب السطور وبعض الزملاء من الفرح. وإذا بالذين يتابعون راديو لندن يقولون : إن المطارات المصرية الحربية والمدنية قد دمرت ومعها الطائرات الرابضة فيها ، وإن الإسرائيليين يتقدمون نحو قناة السويس والجولان ونابلس وجنين والخليل ورام الله ، وقد سيطروا على القدس الشرقية والمسجد الأقصى وأصبح نهر الأردن وبحيرة طبرية تحت قيادة موشى ديان وزير الدفاع آنذاك والذي كان مجرد ذكر اسمه يعني الشيء الكثير في نظر الفلسطينيين والمصريين والسوريين والأردنيين .. ولم نصدق راديو لندن كما كان يقول لنا المذيع أحمد سعيد ومحمد عروق إلا بعد أن سمعنا القرار العسكري المصري بعد ثلاثة أو أربعة أيام عن انسحاب الجيوش المصرية إلى خط الدفاع الثاني ، وأكدوا إغلاق إسرائيل لقناة السويس وأخذ مضائق تيرانا على البحر الأحمر التي كان الرئيس جمال عبدالناصر قد طرد قوات الطوارئ الدولية منها وإغلاقها بالتالي نهائياً قبل الخامس من يونيو في مؤتمر صحفي تاريخي وردت فيه عبارة سنرمي بإسرائيل في البحر. فاستغلت الولاياتالمتحدة هذه الهفوة وقامت على الفور بإرسال الأسطول الخامس بما فيه من حاملات الطائرات وسفينة التجسس ليبرتي التي ضربت من قبل إسرائيل للاعتقاد بأنها تابعة للاتحاد السوفيتي ولم تصب بأضرار كبيرة ، وقامت بتزويد اليهود بالمعلومات الدقيقة عن القدرات المصرية بالذات من الناحية البشرية والأسلحة وغيرها. وفي يوم الحادي عشر من يونيو أعلن الرئيس جمال عبدالناصر تنحيه عن كل مناصبه وترشيحه لزكريا محيي الدين بتولي مسؤولية رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ، فخرج الرجال والنساء والأطفال إلى الشوارع مطالبين الرئيس عدم تركهم .. هكذا كانت هتافاتهم وشعاراتهم فعدل عنهم وبدأ بمحاسبة المقصرين وعزلهم ومن ثم بدأ بعملية حرب الاستنزاف وإعادة تسليح الجيش براً وجواً وبحراً مستمداً قوته من تأييد الشعب المصري بدون حدود له .. وقد كان العرب .. كشعوب بعقولهم وقلوبهم مع مصر وعبدالناصر ، فمنهم من بكى يوم استقالته وفرح يوم سحبه الاستقالة ، وهو نفس اليوم الحادي عشر من يونيو عام 67 أي قبل أربعين عاماً من هذا التاريخ.