وأنا أتابع بعض مايشهد به الدكتور عدنان الباجه جي وزير خارجية العراق الأسبق تذكرت المذيع المصري الشهير في ذلك الوقت من صباح يوم خمسة يونيو – حزيران عام67م وهو يزف البشرى من إذاعة صوت العرب بقوله إن أولى بشائر النصر إسقاط خمس وعشرين طائرة إسرائيلية مستكملاً البيان الأول عن بدء إسرائيل الحرب وقلت أنا والأستاذ محمد حسين شجاع الدين الذي كان في ذلك الوقت مديراً للإعلام بمافيه الإذاعة إن إسرائيل ستخسر الحرب وإن كانت هي البادئة لأنها مدعومة من أمريكا. وماهي إلا ساعات قليلة حتى صعقتنا إذاعة لندن وبعض الإذاعات العربية التي كانت كما يقال تؤيد ضمناً هزيمة عبدالناصر ومن خلاله مصر كلها بأن إسرائيل أو الطائرات الإسرائيلية قد ضربت كل المطارات المصرية الحربية والمدنية وعلى رأسها المطار القريب من القاهرة ومطارات سيناء ومطار بورسعيد ودمرت السلاح الجوي المصري بالكامل وهو جاثم على الأرض وأن الجيش الإسرائيلي وخلال الساعات الأولى يكاد يكون قد أطبق على سيناء والجولان السورية والضفة الغربية. وعليه فإن عشرات الألوف من الجيش المصري لابد أن يكونوا قد قتلوا أو أسروا بينما كانت وسائل الإعلام المصرية وخاصة إذاعة صوت العرب تذيع التقارير اليومية عن الاستعدادات للحرب والانتصار فيها جواً وبراً وبحراً وقد اختتمت تلك الجملة بالتهديد الشهير للرئيس جمال عبدالناصر في مؤتمر صحفي نهار يوم الرابع من يونيو قال فيه إنه سيرمي إسرائيل في البحر، وكان هذا تقريباً ما أرادته إسرائيل لتظهر نفسها بالأضعف عدداً وعدة في الوقت الذي كانت قد دُججت بأحدث الأسلحة واستعدت للحرب بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة إبان الرئيس لوندون جونسون وأن سفينة التجسس الأمريكية(ليبرتي) الحرية قد رست بالقرب من المياه المصرية وتلعب دوراً كبيراً في التشويش على الاتصالات بين القيادات والوحدات العسكرية. فقامت بالضربة القاصمة واستولت على سيناء والجولان والضفة الغربية التي كانت قليلة الحضور في التناولات الأخبارية حيث إن الذي كان ظاهراً أن إسرائيل تتحرش بسوريا فعقدت القيادة السورية حلفاً مع مصر أو مع الرئيس عبدالناصر للدفاع المشترك وأن عبدالناصر كما أكد الدكتور الباجه جي لم يكن راغباً ولامتحمساً لقيام الحرب لإنشغال قسم كبير من جيشه في اليمن ولتلكؤ روسيا خروتشوف واندريه جرو ميكو وزير خارجيته في صد مصر بجسر جوي من الأسلحة كما فعلت أمريكا مع إسرائيل. بل إن ماتردد بعد ذلك أن الاتحاد السوفيتي هو الذي أنذر جمال عبدالناصر من شن الحرب على إسرائيل في الوقت الذي كان يعرف أن إسرائيل ستقوم بها في وقت مبكر من صباح اليوم التالي أي الخامس من يونيو، ولم يوافق السوفيت على مد مصر ببعض الصواريخ والمدفعية لشن حرب الاستنزاف إلا لأنهم خافوا أن يلجأ عبدالناصر إلى حرب إعلامية ضدهم بعد أن كان السبب في منح السوفيت مكانة في العالم العربي من الإعجاب إلى درجة ربط مصير هذه الأمة بما يفعله خروتشوف لاستعادة الأراضي والمعنويات وفتح كل الأبواب أمام الدب السوفيتي تسليحاً وتصنيعاً وأيديولوجياً وثقافياً، ولم ندرك إلى اليوم أن المصالح أهم من الشكليات والمواقف الإعلامية وملف إيران النووي خير دليل على ذلك.