مرت الأمة العربية منذ البدايات الأولى للقرن العشرين بكثير من الأحداث والخطوب الهامة وحالات الانكسار التي دفعت الشعوب العربية ثمنها غالياً من حريتها واستقلالها ومقدراتها المختلفة فقد مثل القرن الماضي قرن الهيمنة والتهافت الاستعماري على الأقطار العربية،وفيه ناضل العرب كثيراً وقدموا التضحيات الجسيمة من أجل الكرامة والسيادة والاستقلال والدفاع عن العقيدة والهوية العربية،إذ وقعت الأمة العربية بين فكي ثلاث دول استعمارية كبرى هي «بريطانيا،فرنسا،ايطاليا» ورابعها اليهود الصهاينة الذين اقاموا دعائم دولة اسرائيل في 8491م على ثرى الأرض العربية المغتصبة في فلسطين. ولم يستفد العرب من عظات ودروس الأحداث المريرة والمواقف التي مرت بهم طوال النصف الأول من القرن العشرين رغم كل الأحداث المؤسفة التي مر بها العرب منذ الثورة العربية الكبرى ك «وعد بلفور 7191م، معاهدة سانت ربمو 0291م التي قسمت الوطن العربي إلى مناطق نفوذ بريطاني فرنسي ايطالي،ورغم ضياع فلسطين وتشريد شعبها وهزيمة الجيوش العربية في حرب 8491م ورغم العدوان الثلاثي الذي قامت به «بريطانيافرنسا اسرائيل» على مصر في حرب السويس سنة 6591م والتي تصدت فيها مصر بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر للعدوان وصمدت في وجه الدول الثلاث المعتدية لتحتم جلاءها من أرض مصر الكنانة. ومع النصف الثاني للقرن العشرين انضمت أمريكا إلى قائمة المستعمرين وجاءت نكسة حزيران 7691م المعروفة بحرب الأيام الستة أشد وقعاً ومرارة على الشعوب العربية فقد نالت من العرب منالاً كبيراً حيث استطاعت اسرائيل بدعم عسكري أمريكي من توجيه حرب خاطفة لتدمر قدرات جيوش دول الطوق العربي المجاورة واندفعت في أراضي أربع دول عربية لتقتطع أجزاء من أراضيها خلال ستة أيام فقط، ففي صباح 5 حزيران يونيو 7691م انطلقت الطائرات الاسرائيلية فوق البحر الأبيض المتوسط على علو منخفض حجبها عن الردارات المصرية لتهاجم مصر من الجهة الغربية،حيث هاجمت المطارات المصرية ودمرت خلال دقائق الطائرات المتواجدة فيها،وانطلقت في هجوم بري على الأراضي المصرية في سيناء،وهاجمت سورياوالأردن ودارت معارك عنيفة في الجولان السورية وبالرغم من التعهدات الإسرائيلية المسبقة بعدم مهاجمة الأردن إلاَّ أن إسرائيل ضربت أيضاً القوات الأردنية بحجة وجود قائد أردني على رأس الجيش المصري الذي وجه ضربات للقدس وتل أبيب. انتهت الحرب بالاتفاق في 10 حزيران يونيو 7691م بعد أن خسر العرب قرابة «000.02» قتيل وخسرت إسرائيل إصابة فقط وخسر العرب 450 طائرة بينما خسر الصهاينة 70 طائرة فقط وتوسعت إسرائيل في أربع دول عربية هي «مصر،سوريا،الأردن، فلسطين» ومن ضمن هذه الأراضي سيناء والجولان والضفة الغربية بما فيها القدس القديمة،وقدم الرئيس جمال عبدالناصر استقالته إلى مجلس الأمة المصري في الثامن من حزيران معلناً مسئوليته عن النكسة لكن الشعب المصري رفض استقالته وطالبه بالاستمرار في قيادة البلاد فعدل عن الاستقالة. لقد كانت حرب الأيام الستة «نكسة حزيران» ضربة موجعة للعرب وعززت من أهمية إسرائيل سياسياً وعسكرياً فأصبح جيشها صاحب أسطورة «الجيش الذي لايقهر» لكن على مايبدو أن العرب استفادوا كثيراً من دروس النكسة أكثر بكثير من كل دروس الماضي التي سبقت وأدركت أنها أمام خطر داهم ومحط تهديد على مدى عقود زمنية مقبلة مدركة أن الحديد لايفله إلاَّ الحديد وأن ما أخذ بالقوة لايسترد إلاَّ بالقوة،ومن هذا المنطلق عملت الدول العربية خاصة دول الطوق العربي على بناء وإعادة بناء جيوشها لتصبح قادرة على صد أي عدوان خارجي ومنحها القدرة في التعامل مع الأزمات الطارئة،وهو ما أكدته بعد ذلك «حرب العاشر من رمضان» السادس من أكتوبر 3791م عندما سطر الجيش العربي المصري ملحمة رائعة وانتصاراً غير مسبوق حطم أسطورة الجيش الصهيوني وهدد الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية برمته لولا التدخل الأمريكي الذي جعل من الضغط السياسي على مصر عاملاً أساسياً لإيقاف الحرب والحد من زخم النصر المبين. إن الأمم والشعوب والدول كثيراً ماتتعرض للنكسات والنكبات بين الفينة والأخرى لكن يتوجب عليها تجاوز هذه النكسات والاستفادة من دروسها وعظاتهاومامن شك أن الدرس الذي تلقته الأمة العربية في حرب الأيام الستة قد علم العرب الكثير وكفل الاستفادة من هذا الدرس القوي فأضحت الأقطار العربية تعول على ذاتها في حماية نفسها وبناء جيوشها باعتبارها أهم مقومات وعوامل الوجود والبقاء،فأصبحت إسرائيل اليوم تحسب حساب خطواتها العسكرية ضد الأقطار العربية المجاورة قبل إطلاق العنان لخيالها ومطامعها وأحلامها التوسعية.