لم يعد خافياً على أحد من المتابعين والمهتمين بالشأن العربي في فلسطين أن القضية الفلسطينية تتعرض للتصفية، وبما يجعلها قضية في ذمة التاريخ، وأن مراحل الجهاد والمقاومة للثورة الفلسطينية بفصائلها المتعددة، التي قدم كل منها اثماناً باهظة على طريق التحرير الناجز، لا تشكل صفحات في سفر المقاومة المشروعة النبيلة أمام احتلال استيطاني بشع، كما انها لا تشكل لبنات في بناء التحرير الكامل للأرض المغتصبة، وإنما تشكل صفحات من العدوان والعنف ضد كيان مسالم، يعشق السلام ويهيم بالديمقراطية ويعمل على تعزيز الاستقرار!! هذه التصفية تستهدف انتزاع الذاكرة القومية والاسلامية المختزنة عن فلسطين العروبة والاسلام في العقل العربي والمسلم، وعلى نحو متلازم ولصيق بجهود انتزاع الذاكرة الوطنية للشعب العربي في فلسطين، وصلته بالأمة العربية، وبحقه التاريخي في أرضه وباستمرار الدور الحضاري للشعب العربي بفلسطين وكل اقطار الأمة.. والدارس لمراحل النضال والممانعة العربية الفلسطينية لمحاولات التصفية التي بدأت من قبل أن يتمكن الكيان الصهيوني من فلسطين، وقبل اعلان الدولة المزروعة بكل قواعد واصول الاغتصاب، ولن نقف على تلك المحاولات بالتفصيل والشرح، ويكفي أن نشير إلى التراجع المرعب في حدود وحجم القضية من دائرة الوطن من الماء إلى الماء إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وما يسمى بالقدس الشرقية، مروراً بقرار التقسيم سيء الصيت، ونكبة 1948م ونكسة 1967م والحروب الخاسرة التي اضاعت الأرض والحق التاريخي بعد أن كانت حروب الانتصار لهذه الأرض ولهذا الحق التاريخي، حيث اعقبها الدخول في نفق التفريط والتراجع والاستسلام تحت شعارات في ظاهرها الحرص على القضية الفلسطينية وفي باطنها ومن قبلها تصفية هذه القضية وتمكين قوى الاحتلال والاغتصاب من أرض وموارد وتاريخ لا علاقة لها بها ولا سند لها في كل ادعاءاتها المجردة من كل الإنسانية والوقائع الممتدة إلى التاريخ ونسيج الأمة التي تمتد بجناحيها على مشرق الوطن ومغربه الذي انتج حضارة مشهودة. والشاهد الذي نريد لفت الانتباه إليه أن الوحدة الوطنية التي كانت صخرة قوية متماسكة، تحطمت عليها كل محاولات التصفية، ومثلت منظمة التحرير لفترة طويلة رمزاً وطنياً احتوى بداخله الفصائل الفلسطينية الممانعة والمقاتلة بشرف استرداد الحق الفلسطيني، ولم تكن «فتح» إلاّ واحدة من سلسلة مترابطة من حلقات الفعل الفلسطيني المجاهد.. لتحرير فلسطين كل فلسطين ..في هذه المراحل كانت المحاولات التصفوية تأتي بخناجرها المسمومة من خارج الجسد الفلسطيني.. وظهر ذلك واضحاً بصور المعاناة التي عاشتها الثورة الفلسطينية. وبعد عقود من الجهاد والمقاومة، وما رافقها من تدمير للأرض والإنسان والتاريخ الفلسطيني، وبعد أن قدم الشعب العربي بفلسطين قوافل من الشهداء الأكرم منا جميعاً من كل الفصائل الفلسطينية الوطنية والقومية والاسلامية، بحيث امتزج الدم الفلسطيني الزكي على الأرض الفلسطينية ومن عمقها، وبين مساماتها دم ينتمى إلى الأمة والسعي إلى تحريرها واستعادة دورها وحقها، وتواري جثث الشهداء في باطن ارض الوطن الفلسطيني جثثاً لشهداء سقطوا لتحرير الأرض والدفاع عن العرض. ، وكانت وماتزال تضحياتهم بحجم الوطن وعظمة الامة، تغطي بعطاءاتها السخية كامل الارض من الماء إلى الماء.. وهكذا مثلت الوقفة الفلسطينية الواحدة صمام امان للوحدة الوطنية مع ظهور فصائل لم تكن في نسيج فتح أو منظمة التحرير، كحماس والجهاد وغيرهما، حيث مثل ظهورها جميعاً ومن فترة مبكرة من العقد الثامن من القرن الماضي رصيداً قوياً لحركة مقاومة وممانعة اقوى في حضورها وتاريخها. والمؤسف ان هذا التراص والتوحد، تعرض للتفكيك من الداخل بعد ان فشلت محاولات الخارج، وصار الصف الفلسطيني ممزقاً بين دعاوى كثيرة من ابرزها دعاوى ماسموه ظلماً وعدواناً سلاماً وأخرى سميت بالواقعية والاستسلام للأمر للواقع، وثالثة، القبول بماهو معروض خير من الركض وراء سراب.. ورابعة مثلت قوى الممانعة والمقاومة والجهاد، وترى بضرورة استمرار المقاومة لتحقيق النصر واسترداد الحق. والمحزن ان تصل المسألة إلى درجة غاية في الانحدار والخطورة هي درجة يكون فيها الفلسطيني خصماً لأخيه يرفض الحوار معه، ويستسلم بالمقابل ويقدم التنازلات تترا وبدون مقابل للعدو الغاصب وقوى الاستكبار والطغيان الدولي تحت ذرائع الخيار الاستراتيجي، وامام هذا الموقف المحزن نقول إن الخيار الاستراتيجي الحقيقي هو الوحدة الوطنية القائمة على الحوار، والمستندة على برنامج وطني للمقاومة، فكيف يقبل من قبل بالتفاوض بنسبة ?12.5 من الارض الفلسطينية يقيم عليها كياناً ممزقاً، فلسطين التاريخية حلم مر ولم يعد، وكأنه من الاحلام التي تزعم وتتطلع لحقوق غير مشروعة ويقبلون بحرص ان يتشكل فلسطين جديد لاوجود فيه لكل فلسطين التاريخ وموانئه ومدنه التي ملأت اسفار التاريخ واحتوتها صفحاته، مثل القدس بكاملها، وحيفا، ويافا، والنقب، وصفد وغيرها. نعود لنقول إن على كافة الفصائل الفلسطينية الانحياز الكامل للحوار والوحدة الوطنية، وترسيخ مداميكها وجعلها خياراً مدعوماً بالمقاومة، ومسلحاً بإرادة وطنية لاتنقصم مالم فالقادم مظلم، والذي يمكن التنبؤ به هو مزيد من الاقتتال واستمرار النزيف للدم الفلسطيني على طريق الضلال وخدمة العدو، بدلاً عن تقديمه على طريق التحرير وانتصار الثورة الفلسطينية.