أضرار فادحة تلحق بالأفراد والشعوب تحت سقف العاطفة والتعاطف، تبدأ بقصد المساعدة والعون، والحرص على المصلحة الخاصة أو العامة وأغراض أخرى ظاهرها الرحمة والمحبة، ونتائجها الدمار والضياع.. وهكذا هي العاطفة عندما تستعمل في غير مواضعها ومن غير متطلباتها الصادقة وبصورة خاطئة وإن توفر لها القصد السليم في تحقيق المنفعة.. لكن ثمة أعمال وتصرفات ليس لها من العاطفة غير ادعاء صاحبها أنها تقف وراء ما يفعل وبعدها تبدأ الكوارث.. وعن دمار العواطف سوف ابدأ من عاطفة أحد ملاحظي امتحانات الثانوية العامة الذي قال إن تعاطفه مع الطلاب خصوصاً أولئك الذين تبدو عليهم آثار ظروفهم المعيشية السيئة، كان وراء تساهله معهم في مسألة الغش في الامتحانات وغض الطرف عنهم فيما رأى منهم أثناء تأديتهم للامتحانات، فآثار الفقر والحرمان واضحة على وجوههم، ولا أستبعد أن يكون غيره قد احتكم لذات العاطفة في مراكز امتحانية أخرى، ولا أستبعد في نفس الوقت أن يكون هو أو غيره قد سمح للطلاب الذين تبدو على وجوههم علامات الرخاء والنعيم بالغش مقابل دفعهم مبالغ مالية لا نتزاع تساهله معهم وهذه العملية بحد ذاتها مشكلة كثيراً ما تحدث، لكننا الآن في سياق الحديث عن الغش تحت مظلة العاطفة والتعاطف الذي قصد به الملاحظ مساعدة الطلاب لوجه هذه العاطفة ومراعاة لما بدا على وجوههم وفي عيونهم من شظف العيش وأسباب أخرى من هذا الطريق الإنساني! وهنا يطلّ السؤال الأهم هل ساعد هذا الملاحظ «المدرس» الطلاب الذين سمح لهم بالغش؟ أم أنه وضعهم في قلب الضرر ودفع بهم إلى المستقبل الخطأ؟ في حين أنه قصد كما قال مساعدتهم تعاطفاً معهم.. وكم من العواطف فعلت ما فعله هذا الملاحظ في أيام الدراسة وأيام امتحانات الطلاب دون استثناء لمرحلة من مراحل التعليم بما فيها التعليم الجامعي الذي له من قصص العواطف أكثر وأكثر مما لغيره .. بقي أن نسأل في هذه السياق إلى أين تقودنا وتدفعنا العواطف من هذا النوع؟ ولماذا هي حاضرة هنا هذه العواطف وغائبة في مواضع ينبغي أن تكون أكثر حضوراً؟ وعلى أية حال مخرجات التعليم في البلاد العربية وبلادنا تحديداً خير شاهد على ظلم العواطف وعلى الدمار الذي أحدثته وتحدثه العواطف التي نزجّ بها في كل مكان على حساب العقل والمسؤولية تجاه الأجيال وعلى حساب المستقبل ومن قبله الحاضر المعاش. وتحت مظلة أخرى من مظلات العاطفة والتربية أمسك الرجل بابنه الصغير وضربه ضرباً لا أشد منه سوى القتل، وبطريقة مهينة للغاية لا تعلم بل تخلق عاهاتاً وعقداً نفسية إن سلم من الأضرار الجسدية المباشرة، وحين اجتمع عليه الناس وأنكروا عليه ما يفعله كان رده عليهم. أنا أضربه هكذا حباً فيه «أشتيه يتعلم...» ولم يكمل ماذا يريده أن يتعلم؟ ألم تكن هناك وسيلة أخرى للتعليم وفي مكان آخر غير الشارع؟ عموماً كان هذا نوع آخر من العواطف التي يتعامل بها الكثيرون في المجتمعات العربية.. فماذا بعد هذا؟. وفي مشهد ثالث وربما يكون الأول في الترتيب- في أسواق العاطفة والحرص على المصلحة، لكنها نفس البضاعة وإن غلفت بأغلفة ذات ألوان أخرى.. تعالوا بنا نرى ما جرى وما يجري في البلاد العربية من خلافات واقتتال وتناقضات شتى لن تستقر معها أوضاع البلاد التي تشهدها حتى تزول هذه التناقضات والخلافات القاتلة التي يدعي كل طرف فيها أن مواقفه وأفعاله هي من أجل مصلحة البلد، ومن أجل الشعب، فأين هو حب الوطن والحرص على مصلحته وقد صار الوطن محتلاً وغارقاً في دماء ابنائه من كل الطوائف، هكذا كان حب بعض ابناء العراق لوطنهم وهكذا كان حرصهم على مصلحته فعملوا جهدهم في تخليصه من نظام صدام حسين تعبيراً عن ذلك الحب والحرص على تقدم العراق وازدهاره فتقدم العراق إلى القرن الخامس عشر الميلادي وربما يصل إلى أبعد من ذلك لو استمر الحب على هذا النحو..وفي فلسطين كان حب محمود عباس ومحمد دحلان للقضية الفلسطينية سبباً مهماً في ما حصل وما سيحصل لفلسطين أرضاً وإنساناً وقضية في المستقبل مع استمرار حب هؤلاء لوطنهم وقضيتهم وحرصهم التام على تحرير الأقصى وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالتأكيد لا يقتصر الأمر هنا على حب أبو مازن ومحمد دحلان وغيرهم في «فتح» لوطنهم دون استثناء لحب جماعة حماس لنفس الوطن والقضية والذي آل إلى ما آل إليه الوضع في حضرة هذا الحب والحرص على مصلحة الوطن والقضية والخوف مما سيأتي بعد ومنتهى الخوف أن تموت القضية فيصدق القول «أن من الحب ما قتل». وفي لبنان كل يدعي وصلاً بليلى «بلبنان» وتحت مظلة مصلحة لبنان وحب لبنان، أصبح لبنان في مفترق طرق وتجاذبات سياسية إقليمية ودولية عديدة، والتفاصيل يعلمها الجميع. ختاماً .. أنوه إلى أن كل الشواهد والمشاهد السابقة لم يقصد منها سوى التدليل فقط على أن العواطف والحب والحرص على المصلحة العامة من جملة هذه العواطف هي السبب الظاهر الذي يدعي كل طرف تمسكه بها وعمله بموجبها، في حين تأتي النتائج مدمرة وكارثية، لأن العقل ليس حاكماً عليها وعلى سواها من العواطف، ،لافتقار ما ظهر منها للصدق وعندما يغيب الصدق تحدث كل الكوارث.