كان من نتائج حرب اكتوبر73م بين العرب والكيان الاسرائيلي أن ارتفع سعر النفط «البرميل 17دولاراً أمريكياً» بعد أن أسلم الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله القرار للواجب العربي والحق القومي، متحدياً أمريكا والعالم الظالم، مجيباً بكل ثقة المسلم على "كيسنجر/وزير الخارجية الأمريكي من أصل يهودي": "وماذا لو أنكم نفّذتم وعيدكم بنسف البترول العربي، إن بإمكاننا أن نعيش على التمر والحليب كعادتنا؟!". ازدهرت منطقة الخليج بزيادة سعر البترول، واكتملت تقريباً البنية الرئيسة في مجتمعه، وأصبحت شوارع كثير من مدن الخليج أكثر نظافة وانضباطاً من شوارع لندن وباريس ونيويورك، وأصبحت بعض بلدان الخليج تجود ببعض المال مهما كان يسيراً على بعض الدول العربية لمساعدة التنمية في هذه البلدان. ويفاجأ المواطن في الدول النفطية بالرغم من أنه أصبح يأكل الشوكولاة طرية من الدانمارك، ويطير على «اللوفتهانزا» و«T.W.A» بأن التنمية في وطنه لم تكن على النحو المطلوب، وخاصة بعد أن تيسر له الالتحاق بجامعات عالمية راقية وأكاديميات مرموقة. فالتنمية ليست إتاحة الفرصة لوطنه أن يكون سوقاً أنيقاً لأحدث ما تنتجه مصانع الغذاء ومساحيق التجميل والمجوهرات وعرض الأزياء أولاً فأولاً، ولكنها بالإضافة إلى كل ذلك أن يتقدم الوعي البشري الذي يفترض أن يكون الإنسان قادراً على خلق ما يتصوره من آليات لتقدم حقيقي في مجالات الحياة المختلفة. فهذا الإنسان الباريسي أو اللندني قد استطاع أن يحقق تصورات متقدمة لحياة الحاضر والمستقبل، فهو قادر مثلاً على أن يستمتع بمشاهدة القنوات الفضائية على متن الطائرة التي يركبها؛ ولكنه هو الذي صنع الطائرة، وهو الذي يصنع قطع غياراتها، وتتعاون الآن شركتا «بوينج» و«آيرباص» وهما أكبر صانعين للطائرات في العالم على رسم سياسة بموجبها يتم التنسيق بين صناع القرار السياسي والصناعي. ولما فكرت اندونيسيا بتسويق طائرات من انتاجها؛ حدثت لها مشكلات كثيرة أمريكية؛ لأن قليلين هم الذين يعرفون أن القرار الأمريكي تديره شركات عملاقة خاصة. أخلص إلى النتيجة وهي: هل يستطيع أهل النفط قبل أن ينضب أن يحققوا أمناً تنموياً مناسباً، بموجبه تتحقق رؤية شاملة للمصير العربي الذي لم يتحدد له أفق حتى الآن، بما في ذلك أفق الصحراء التي لن تستمر مكيفات الهواء المستوردة في إطفاء هجيرها القاتل؟!!.