يبدأ بناء الوطن من بين دفة كتاب مدرسي لتعلُّم القراءة، ومن سن قلم الرصاص، تمسك به صغيرة طرّية العود، وتبدأ الخطوة الأولى لشعب بأكمله أو أمة مجتمعة من مسافة صغيرة تفصل ما بين حرف وقلم أقسم به الإله سبحانه. من المدرسة تبدأ الخطوة الأولى، ومن الفلسفة التعليمية النابعة من الواقع ومتطلبات المستقبل يحدد القادة وصانعو الحضارات ماذا يريدون، ومن المنهج أو المناهج المدرسية تتحدد الطريق نحو الهدف، وكيف تختصر المسافة للوصول إلىه، كما لا تقوم الحضارات على حد السيوف أو أسنّة الرماح، لا تبنى الشعوب بالمال وحده مهما كانت الموارد والثروات، لأن الأساس السليم هو الإنسان، والإنسان لا يكون إلا بعلمه وقوته فيما يتقنه ويحسنه. وهذا ما يعرفه الجميع، كما يعرفون أن مسئولية بناء الشعوب أو بناء الأوطان من خلال بناء الإنسان وتأهيله وتسليحه بالعلوم والمعارف مسئولية جماعية تتحمل الدولة جزءاً كبيراً منها، وتتحمل هذه المسئولية في تحديد وظيفة التعليم، وامتلاك فلسفة تعليمية تربوية مكتملة، ووضع السياسة التي تسير عليها عملية تعليم الجيل وتربيته، وتساوي الفرص المتكافئة، ومساعدة الأسرة على القيام بدورها في هذا المجال التنموي الأكثر أهمية. إنها مسئولية جماعية تبدأ بالأسرة، وتنتهي بقمة الهرم الذي تتكون منه الدولة والمجتمع.. ولهذا نجد دول العالم تتسابق في مجال تربية الجيل وتعليمه، كما تتسابق في مضمار السبق الاقتصادي والحضاري.. فتضع الدولة تحت المجهر كل ما يتعلق بشؤون التربية والتعليم.. بما في ذلك العمل على مساعدة الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل على تعليم أبنائها التعليم الجيد، واستغلال ما لديهم من مواهب وقدرات بالصورة المفيدة للمجتمع ليس من خلال الارتقاء بمستوى التعليم في المدارس الحكومية وحسب بل من خلال الإشراف المباشر والدقيق على المستلزمات التعليمية ووصولها إلى تلاميذ الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل، كما تصل إلى تلاميذ الأسر الغنيّة شأنها شأن رغيف الخبز والمواد الغذائية الأخرى التي تتساوى احتياجات الناس إليها. إن مستلزمات التعليم ابتداءً بالكراسة والقلم، وانتهاءً بالأجهزة التعليمية التكنولوجية تدخل في عداد السلع الضرورية والمهمة بل الاستراتيجية التي ينبغي أن تخضع للإشراف المباشر من قبل الدولة.. كي تحمي من المتاجرة الجشعة واستغلال الحاجة إليها.. وتحولها إلى عائق من عوائق التعليم أمام أبناء الأسر المحدودة الدخل، وهم الشريحة المهمة في المجتمع والتي عادة ما يأتي منها النوابغ وكبار المبدعين وبناة المجتمع.. وهذا ما يدركه كل من له صلة ببناء الدولة والمجتمع من ساسة وتربويين واقتصاديين، وما أكثر الخواطر المستلهمة من بداية عام دراسي جديد.. واحتياجات محدودي الدخل.