لامعنى تدل عليه كلمة «تطور» غير التقدم نحو الأفضل،إلا أن هناك مؤشرات قوية تؤكد أن العالم يتحول بشكل مذهل إلى سيطرة القوى التافهة على مختلف الأصعدة، وأن قوى الفضيلة تتقهقر بشكلٍ مخيف!! على الصعيد الفني،اجتاحت القوى التافهة كل مواطن الذوق الإنساني، وبات فن التعري،والإغراء الجنسي هو الإيقاع الوحيد الذي تقدمه الفضائيات،وأصبحت المطربة الأجرأ في التعري هي الأشهر التي تصفق لها الأكف بحرارة.. فيما أصبح الشريط الأسفه،والأكثر ابتذالاً لفظياً هو المفضل لدى بعض التيارات الإسلامية في اليمن، والتي تتولى بنفسها تمويل إنتاجه وتوزيعه في الجولات.. وعندما ندخل عالم الصحافة والكتابة والتأليف، نجد أن أكثر المؤلفات شهرة هي تلك التي تحمل أفكاراً شاذة سواء إباحية أو تكفيرية كما أن أشهر الأسماء الصحافية هي الأجرأ في الشتم والسباب، واللعن والتخوين، وبات صناع الرأي العام ليسوا العلماء، أو أئمة المساجد أو الأدباء والمثقفين، بل هم أولئك الذين يدخلون السجون، أو يُتّهمون بقضايا جنائية، أو ينتهكون قيم ومبادئ المجتمع، فتتلاقفهم القوى السياسية المعارضة لتصنع منهم أبطالاً ومناضلين،ومجاهدين ،وزعماء رغم أن المجتمع لم يسمع لهم اسماً قبل صدور بيانات المعارضة!! وعلى صعيد العمل السياسي فإن نموذج الثلايا، والزبيري، والثوّّار المناضلين الذين حملوا القضية اليمنية على مرّ التاريخ الماضي لم يعد لهم أي مثيل على أرض الواقع،،والحال نفسه في كل مكان من عالمنا العربي،إذ إن القوى الانتهازية باتت تجتاح الساحة السياسية بفضل ماتتمتع به من وقاحة في ادعاء تمثيل الجماهير وتقمّص وجوه الفضيلة، واستخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة في فرض نفسها.. وهو أمر غير راجع إلى تخاذل القوى الشريفة بل لأن هذه القوى المخلصة تحرم على نفسها الوسائل غير المشروعة في العمل السياسي وتعتبر القيم الأخلاقية والمبادئ التي تتحلى بها هي جوهر القضية التي تناضل من أجلها.. اليوم القوة التي تتسيّد العالم هي الأكثر إجراماً، وانتهاكاً لحقوق الإنسانية، والأكثر ابتذالاً في ثقافتها وأسلوب عملها.. فهناك هوس عالمي لبناء مجتمع دولي يقوده أراذل البشرية، لأن الاعتقاد السائد هو أن القيم النبيلة، والمبادئ الراسخة لاتصنع سلاماً، كونها لايمكن أن تخضع للمساومة والبيع والشراء في أسواق المصالح العالمية.. لذلك نجد أن الدول الكبرى تحرص على تمويل ودعم الناشطين القادمين من خلفيات إجرامية أو لا أخلاقية لأنهم وحدهم القادرون على وضع كل شيء للمساومة بما فيها الوطن!! أما الناشطون الحقيقيون يبقون مهمشين عن لعب أدوار مؤثرة، وإن تم تقديم دعم لهم فلن يكون ذلك أكثر من ضرورات يفرضها ديكور اللعبة الديمقراطية والسياسية. لو حاول كل واحد منا التفكير بالوطنيين الشرفاء والأكفاء سيجدهم خارج مسرح الأحداث، ولو فكّر بالفنانين المبدعين المحترمين سيجدهم قد تواروا خلف الكواليس، ولو فكّر بالصحافيين والكتّاب الذين يخدمون الإنسانية بإخلاص من غير حسابات حزبية سيكتشف أنهم تحوّلوا إلى مجرد موظفين محكومين بأوامر مسؤوليهم ممن لايقارنون بشيء معهم.. وحتى لو بحثنا عن معلّمينا العباقرة لن نجدهم مدراء مدارس لأن العالم كله يشهد تحولاً نحو سطوة القوى التافهة.. فالمسألة ليست مشكلتنا وحدنا في اليمن بل هو توجّه في كل مكان، ولايمكن إيقافه بغير صحوة ثقافية حقيقية تعيد القيم الأخلاقية النبيلة إلى ساحة المجتمع، وتبدأ بإعداد أجيال مسلحين بالعقائد والمبادئ الشريفة يعوّل عليهم إحداث التغيير الحقيقي المنشود للتحرر من قبضة عالم الرذيلة والقوى التافهة.