تطرح المناهج الدراسية تحدياً جدياً أمام مستقبل التعليم في الوطن العربي تحديداً،وقد وضعت هذه المناهج بمحتوياتها في نطاق الآراء ،وغدا الحديث عن تغييرها يقف بين المطالب والضرورات،والمطالبات المُلحّة المدعومة بالضغوط والترهيب أحياناً وبالترغيب أحياناً أخرى،وهنا تحولت المناهج الحالية إلى إشكال بين أصحاب الآراء المختلفة وأخذت أبعاداً فكرية وسياسية وعلى هذه الأبعاد نشأ الخلاف أول مرة واستمر. الحكم على المناهج التي تُدرس في البلاد العربية أنها فشلت ليس دقيقاً ذلك أن المناهج ليست موحدة في سائر الدول العربية وإن تشابهت جزئياً أو أكثر لواحدية الأسس والمناهل،وبالتالي فإن مستويات هذه المناهج من حيث القوة والضعف وتأثيراتها الفكرية والثقافية،والعلمية في كل الأحوال تتفاوت من بلد عربي إلى آخر،ومن المؤكد أن مخرجات التعليم وفق هذه المناهج تختلف إلى حدٍ كبير لهذا السبب ولأسباب أخرى ذات علاقة بالعملية التعليمية والعوامل المؤثرة فيها وعليها،فكيف يكون الحكم واحداً عاماً في ظل هذه التباينات والفروق؟هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عندما يكون الفشل حكماً قطعياً على كل المناهج التي دُرست لعقود عدة في البلاد العربية فلن تكون الأجيال التي درست هذه المناهج بمنأى عن هذا الحكم وحينها يمكن القول إنها أجيالٌ فاشلة وهذا ما يستوجب عدم القبول بهذا الحكم بصيغته العامة الذي يضع الأمة العربية بأكملها تحت طائلة الفشل دون تفسير لماهية هذا الفشل أو تجزئته بحيث يتم تحديد جوانب الفشل وجوانب النجاح وهنا تكون الأبعاد السياسية لحكم الفشل حاضرة. لا يختلف اثنان على وجود جوانب قصور في المناهج التعليمية التي تدرس في البلاد العربية،وفي غيرها وحيثما وجهت وجهك فثمة من ينتقد العملية التعليمية والمناهج وأشياء أخرى هناك وهذا يستدعي إعادة النظر في جوانب القصور والعمل على تفاديها بما يواكب المتغيرات العلمية وأساليب وطرق التعليم وبما يضمن عصرنة المناهج وتطويرها لتكون مخرجات التعليم أفضل بما يلائم العصر الذي نعيشه وعلى هذا أستطيع القول إن تحديث المناهج ضرورة لامناص منها،وأحسب أن هذا التحديث أصبح من المُسلّمات بها دون جدل،مع رفض الحكم بالفشل التام الذي يُراد تأكيده لإلحاق الفشل بالمصادر الفكرية وهي المستهدفة أولاً في الهجمة الموجهة ضد المناهج في البلدان العربية والإسلامية وتحديداً المناهج الدينية منها؛لمحاولة إلصاق كل ماهو سلبي في التفكير والعمل والسلوك عند العرب والمسلمين بهذه المناهج وبمصادرها الفكرية والثقافية،أما مناهج الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من المناهج العلمية البحتة فلا تُذكر إلا لماماً ومن باب التحديث والعصرنة ومواكبة كل ماهو جديد في هذه العلوم،بينما يتم الحديث من باب التغيير مع المناهج الدينية والتاريخية والجغرافية لأبعاد فكرية وسياسية خالصة،في حين أن مايحدث في هذه المناهج من قصور وأخطاء ترجع لأخطاء في التدريس والتعليم وأخطاء في الفهم والإدراك،وهذا الذي يحدث إنما لايمكن تعميمه على سائر الأقطار والمدارس وبذات الوقت لايمكن أن يكون الفشل التام والعام هو الحكم المناسب لنتائج تعليم هذه المناهج وآثارها الفكرية والثقافية بدليل أن الذين درسوا تلك المناهج ليسوا سواءً ،لامن النواحي العلمية ولامن النواحي الفكرية والثقافية،وثمة خلافات واختلافات وتباينات في الرؤى والأفكار وفي السلوكيات والأعمال بين من درسوا ذات المناهج ،فلماذا يُحكم على المناهج أنها وراء فكر البعض وثقافتهم وسلوكياتهم والعنف والأخطاء عموماً،ولايُشار إليها في غير ذلك،وهي ذات المناهج مع هذا البعض ومع غيره؟ألا يؤكد هذا أن العملية انتقائية وسياسية أكثر من كونها علمية،وأن وراء حكم الفشل ما وراءه،ووراء مطالب التغيير ما وراءها من أهداف ومقاصد ،وأن واحداً من أخطر الأهداف التي تقف خلف مطالب تغيير المناهج وإعادة صياغتها هو الترهيب والترغيب وبالأخص بعد أحداث 11سبتمبر 2001م وإلصاق ماحدث وكل ماسيحدث من أعمال عنف وإرهاب بمناهج التعليم الدينية ومناهلها الفكرية تحديداً ويمتد الهدف إلى نقطة محو الهوية الفكرية والثقافية والتاريخية للعرب والمسلمين من خلال إيجاد مناهج لاتخدم علاقة الأجيال بشيء من ذلك وبها مجتمعة..في حين أن التعليم يحتاج لعوامل نهوض مختلفة وهي معلومة للجميع ،ومجرد تغيير بعض المناهج التي لاتوافق السياسات والأهداف أو الرغبات أو تلك التي تحمل في طياتها أفكاراً وثقافات لاتتّفق مع أصحاب مطالب التغيير وأولئك الذين لايؤمنون بها أو لايفهمونها ،مجرد تغيير المناهج لسبب أو أكثر من هذه الأسباب لن يغير حال التعليم لصالح التطور والرقي وتجاوز الإخفاق في هذا المنهج أو ذاك ،وربما أضرّ بكل المناهج وأضر بأسباب التعليم المفيد. ختاماً.. يجب أن نفرّق بين مطالب تغيير المناهج أو بعضها وفق الضرورات والأهداف ،وهو أمر ليس سهلاً، فالمطالب ظاهرها قد لايختلف لكن النتائج قطعاً تختلف ،ويجب أن نحدد ماالذي ينبغي تغييره وما الذي ينبغي حذفه منها أو إضافته إليها؟ومن أجل ماذا كل ذلك؟ للارتقاء أم للإرضاء وشتان بينهما؟ومع كل هذا يبقى لتطوير المناهج وتحديثها أو حتى تغييرها ضرورات وأهداف يجب أن تُدرس بدقة ،وتتم بدقة أكثر حتى لاتفشل أو تأتي بما لايشتهي المستقبل المنشود ،وتبقى الهوية في مقدمة كل مايجب الحفاظ عليه مع كل تغيير لأنها تقف في الواجهة تقاوم المسخ والزوال.