يقول المتفيقهون في السياسة اليمنية إن المبادرة التي اختار طرحها الرئيس الصالح في رمضان المبارك؛ كانت مبادرة أمريكية، ودللوا على ذلك بكثرة الزيارات التي قام بها مسئولون يمنيون قبل إصدارها للعاصمة الأمريكيةواشنطن، والتي لا نعلم كثيراً عن صحّتها؛ ولكنهم هكذا يقولون.. ونقول نحن غير الفقهاء في السياسة اليمنية: إن الرفض المبدئي للمبادرة من قبل أحزاب "اللقاء المشترك" كان رفضاً أمريكياً.. بدليل أنهم رفضوا الحضور للاستماع إليها وتلبية الدعوة التي وجهها الرئيس إليهم لمناقشتها؛ فيما كانوا يجوبون المحافظات مع المستشار السياسي للسفارة الأمريكية في صنعاء/جون براين ومعه عبدالقادر السقاف/المتخصص بالشئون السياسية بالسفارة وفيما كانوا يلتقون بهما في حضرموت ويستمعون إلى توجيهاتهما، ويقدمون لهما كامل المعلومات حول الاعتصامات والتحركات التي قاموا بالمشاركة فيها خلال أيام سبتمبر الأخيرة. فمن يا ترى هو الأصدق في القول؛ متفيقهو السياسة أم نحن؟!. **** أنا شخصياً كالكثير من اليمنيين لا يهمني كثيراً في هذه الأيام كيف يكون شكل النظام "رئاسياً أم برلمانيا" بقدر ما يهمني أن يكون لي كموظف راتب شهري يكفيني ومن أعول، ووضع آمن يحفظ نفوسنا وأعراضنا وأموالنا من أي عدوان أو انتهاك لحرمتها لنعبد الله بعد ذلك، معظمين له هاتين النعمتين. "فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" وتتحقق بذلك منّة الله علينا من خلال سلطانه الأرضي. **** المعارضة اليمنية من خلال كتلتها الرئيسة "أحزاب اللقاء المشترك" منذ التقت على غير اتفاق صادق فيما بينها؛ تقدم مشاريع وهمية لتغيير النظام؛ لكنها في الحقيقة لا تريد إلا أن تعدل في بوابتي دار الرئاسة الواقعة تحت جبل النهدين التي يقال إنهما صممتا على أساس ان تكون بوابتين؛ بوابة الرئيس/علي عبدالله صالح، وبوابة نجل الرئيس/أحمد علي عبدالله صالح، وهم يرون أن بوابة نجل الرئيس مخيفة ومممزقة لآمالهم أجمعين؛ وهم في الحقيقة يعيشون همّين عظيمين. أولهما وهو الهم الأصغر؛ وهو هم التخلص من الرئيس الصالح وبوابته الرئيسة، وقد انقطعت آمالهم من الوصول إليه من خلال الانقلابات والحروب والمؤامرات المختلفة خصوصاً بعد توريطة حليفتهم العظمى أمريكا في المستنقع العراقي وقرب موعد الهزيمة الكبرى بسواعد المجاهدين هناك. فلجأوا إلى وضع نهاية له من خلال تعديلات دستورية تحد من صلاحياته وتحدد فترات رئاسته، ووفقوا في هذه أيما توفيق، وهم ينتظرون بفارغ الصبر انقضاء المدة التي ما أراها ستنقضي إلا بانقضاء أعمارهم هم أو انقضاء عمره هو. وثانيهما وهو الهم الأكبر وهو هم التخلص من وريثه الشرعي الحقيقي فيما يعتقدون والتي تبدو بوابته الرئيسة الثانية أكثر زخرفة وجمالاً من الخارج، وهي تبدو المرشحة الأولى والأكثر حظاً لكي تنفتح إذا ما أغلقت البوابة الرئيسة الأولى أمام الداخلين من باب الرئاسة والرئيس فيها معد من جميع النواحي، ولا يحتاج لأكثر من إجراء دستوري محدود لإتمامه. **** من أجل ذلك فقد شغل المعارضون أنفسهم كثيراً بالتعديلات الدستورية، وشغلوا الحكومة والدولة والحزب الحاكم والرئيس بمواجهتهم في هذا النطاق، ومازالت المعارك على أشدها، ولايزال التفوق في كل مرة للرئيس وفريقه عليهم سواء في المجال النظري أو في المجال التطبيقي. وبدأ حتى أكبر هذه الأحزاب وهو "الإصلاح" يتراجع شعبياً وتأثيراً، وبدأ يتجنح بفعل اللعب السياسية الماهرة التي يلعبها خصمه "المؤتمر" بقيادة المايسترو الأعظم الرئيس الصالح. **** إذن فالمبادرة الرئاسية كانت رداً طبيعياً وحكيماً على هذا التهالك المعارض للوصول إلى بوابتي الرئاسة، ويهدف المشروع أول ما يهدف إلى إفقاد هذه الكتلة غير المتجانسة القدرة على التفكير من خلال سلبهم كل وسائل المكر والخداع السياسي التي ظلوا يلعبون بها، وهي موضوع الحكم المحلي والفيدرالية وصلاحيات الرئيس، وقد اختار لهم نموذج ربتهم العظمى أمريكا، وهو في الحقيقة النموذج الأقرب إلى شكل الخلافة الإسلامية الأولى من حيث الجمع بين المركزية في الحكم والإدارة واللامركزية في تسيير شئون الولايات، باستثناء حصص المرأة التي لا هو نظام خلافي إسلامي ولا نظام أمريكي ولا سواه ولكنه بدعة لا أدري كيف سيتم التعامل معها إن كانت، وإن كنت أفهم من مبايعة الأنصار في بيعة العقبة الثانية لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن تكون هناك امرأتان من نحو سبعين رجلاً كمرجعية شوروية أو حتى نيابية، ولا أفهم معنى حقيقياً من هذه النسبة العالية التي لم تكن في أي من بلاد الدنيا غير تجاوز الأصوات النشاز التي تزايد باسم حقوق المرأة، وهي أبعد ما تكون عن احترام أبسط حق من حقوقها من خلال الواقع إلى درجة الإخلال بالعلاقات الاجتماعية والزوجية، واعتبار كيان المرأة كياناً دونياً فاقداً كل مقومات الكرامة والحق والقوامة دون الرجل. **** باختصار.. فإن ما تفعله المعارضة لا ينبئ عن أدنى شعور بالمسئولية تجاه الناس ومعاناتهم، وما تقدمه من مشاريع وتأتلف عليه من مواقف لا يهدف سوى إلى الوصول إلى الحكم ولكل منهم مشروعه الذي يتناقض مع الآخر في داخل حزبه ولكنه قد لا يتناقض مع مشروع الحكومة والدولة لولا فقدانهم لها. فهم لا يريدون ما يريده الناس، ولا يريد الناس ما يريدونه، وحتى هذه الاعتصامات التي ركبوا موجتها لم تكن منهم في شيء؛ ولكنهم أفاقوا متأخرين على زخمها فأسرعوا بمجاراتها. وفي حال كهذا فلا نرى أنهم سيفلحون في مواجهة من خبرهم وعرفهم وعاشهم حكاماً محكومين.. وإن كان ذلك لن يغير وحده شيئاً من أوضاعنا دون جهد آخر ننتظره من الدولة ولا نطلبه من المعارضة، ليس لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولكن لأنه ليس همهم أيضاً.. مثلما هو همنا. " ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين". صدق الله العظيم