لفت انتباهي صوت البائع وهو يعلن عن تخفيضات مغرية لأسعار السلع التي يبيعها وقد أخذ مكانه في رصيف الشارع وعرض بضاعته على المارة، سمعته يتحدث عن نصف الثمن الحقيقي وأقل من ذلك قبل أن يقودني فضولي لأرى ما يبيع، لأفاجأ بأنه يبيع أنواعاً من السموم القاتلة في قلب سوق الخضروات والفواكه - الشارع هو السوق- هكذا جهاراً نهاراً تباع السموم التي لا تحمل أية علامات أو بيانات عن استخداماتها ومنشئها ولا أية معلومات عن المحتويات، وكل المعلومات مصدرها هذا البائع وحده، وبالتأكيد هو الذي أصدر لنفسه تصريحاً لبيع السموم، وهو من يختار أماكن بيعها متنقلاً من شارع لآخر، ومن سوق إلى آخر، حيث الزحام، وساعده في التجارة غياب الرقابة والمتابعة من قبل جهات الاختصاص أولاً وعدم إنكار الناس ورفضهم لمثل هكذا سلوك تجاري قاتل يمارس في الأسواق. احسب أن بلادنا تنفرد بهكذا ظواهر غريبة بين سائر بلدان العالم إلا ما ندر، فمن غير المعقول أن مواد قاتلة ولها أخطارها التي لا تخفى على أحد تباع على قارعة الطريق، لتصبح متاحة للاستخدام أمام كل عاقل ومجنون، وفي متناول الصغير والكبير وأكثر الناس يجهلون طرق استخدامها، ناهيك عن الأخطاء التي قد يقع فيها من لا يجهل هذه المخاطر لأن المعروض من هذه السموم للبيع وبتخفيضات لا اسم له ولا تراكيز ولا تاريخ ولا فترة أمان ولا غير ذلك.. كل ما أعلنه بائع السموم أن لديه من السم ما هو فتاك وسريع المفعول ولديه لكل الأغراض المطلوبة، فما هي هذه الأغراض؟ الله وحده العالم بكل الأغراض.. عبوات السّم عبارة عن أكياس بلاستيكية غير محكمة الغلق، يتناثر السم من فتحات واضحة على هذه الأكياس، والرياح تنثرها في جو الشارع ولن تستثنى الخضروات والفواكه المكشوفة وكلها مكشوفة، حتى العيون والأفواه التي تنبعث منها الأصوات بلا توقف سوف ينالها نصيب من الأتربة بنكهة السّم القاتل أو الممرض على المدى القريب والبعيد. هل نحن بحاجة لمزيد من السّموم لتصبح متاحة على هذا النحو الذي ينافس سلعاً ضرورية قل أن نراها في الأسواق أو تطالها تخفيضات حقيقية.. السّموم التي هي المبيدات والهرمونات الزراعية غزت كل النباتات واختلطت بعصاراتها، ووصلت إلى كل الثمار- وللسموم مع القات أخطر حكاية- فجاءت الثمار لا تحمل السم الزعاف ولا غرابة إذا كانت النتائج كارثية وهي كذلك بالفعل، وللسرطان احصائيات مرعبة تنسف الرغبة في تناول الخضروات والفواكه، والقات أولاً لمن يريد أن يقي نفسه مصارع السّم. لكن ماذا نقول لأنفسنا التي تشتهي الفواكه والخضروات وننصح الناس بتناولها طازجة لما لها من فوائد تغذوية وصحية؟ وماذا نفعل عندما نعلم أن الكثير من السلع في الأسواق لا تخلو من سم؟ ولو بنسب بسيطة لها أثرها القاتل مع مرور الأيام، ماذا نفعل والسّموم تحاصرنا من كل جانب، بما في ذلك سموم الأفكار المسمومة والعلاقات المسمومة والنوايا السامة التي تهدد ما تبقى من أوقات خالية من السموم.. أظن أن هذه السموم الأخيرة هي بذات الدرجة من الخطورة، فلا فرق بين فاكهة مسمومة وأفكار مسمومة من حيث النتيجة، وإن اختلف الفعل والمتأثر بالسم مباشرة، فالأفكار المسمومة يمكن أن تدفع بصاحبها إلى اقتراف أخطاء قاتلة وأفعال قاتلة أو تلحق بالمجتمع أشد الأضرار. وبهذا أقول :إن من يشرع لتجارة السموم بهذه الطريقة أو يسكت عنها فإنه مسموم الفكر والأخلاق، ومن يشرع لنفسه استخدام المبيدات بخلاف شروط الاستخدام ويجني الثمار قبل الفترة المحددة لزوال أثر السموم فإنه قاتل بما تعنيه هذه الكلمة، وكأنما يدس السم - قصداً- في طعام الناس ليقتلهم وهو يعلم بهذا، ألا يمكن أن نحسب من يفعل هذا من ذوي السلوك الإجرامي المسموم؟ بالتأكيد نعم وضحايا هذا الإجرام يملؤون المستشفيات والمراكز الصحية والمقابر أيضاًومن أجل حماية أنفسنا وأطفالنا من السموم يجب أن نرفع أصواتنا عالياً من أجل تحريم استخدام السموم بلا ضوابط أو شروط وتجريم كل من يخالف ويعكر حياة الناس بالسم.