دعرة .. اسم امرأة يمانية.. نشأت في رحم الوطن ، وعاشت في واقع كان للآخر الأجنبي اليد الطولى عليه.. يحدد مساراته ويدمي خاصرته ، ويعبث في الأرض الفساد.. دعرة.. كانت في التاسعة من العمر عندما حملت بندقية والدها.. اتجهت نحوه ونصفه على كتفها النحيل والنصف الآخر يُسحب على الأرض.. نظر إليها بفخر واعتزاز وهي تقول له: «بهذا ، وتشير إلى البندقية.. سيضطر المستعمر إلى الرحيل».. تلك هي اللوحة الأولى التي رسمتها دعرة على بساط الأرض.. الوطن.. وهي لما تزل في رحاب الطفولة.. هي دعرة التي أقسمت وهي لاتزال في ربيع عمرها أن تكون واحدة ممن رفعوا بوضوح راية الحرية في سماء الوطن المكلوم آنذاك.. كانت تلك بداية الجهاد.. فكيف ستكون الصورة بعد أعوام..؟ هل سيرتدع المستعمر ويكف يديه ويرحل ؟ هل ستشعر دعرة بطعم آخر للحياة ، وهل ستنسيها الأيام مقولتها التي أفصحت عنها في وجه أبيها .؟ هكذا قالت لنا في يوم تكريمها ، يونيو 2001م رحمها الله.. كنا مجموعة من الصحفيين نجلس حولها في ذاك اليوم.. نستمع منها.. راجين أن تقلب ذكريات الأمس.. تسترجع جزءاً من تاريخ لم تكتمل صورته بعد.. كنا جميعاً أمام قامة وطنية أوشكت على الذبول.. تلتفت إلينا وضحكتها لم تعد قادرة على الثبات.. تنعكس من وجهها اشراقة الثورة المسكونة فينا روعة ودهشة.. وحقيقة.. أتذكر وأنا في حضرة جزء من هذا التاريخ الوطني النابض بالحياة «دعرة بنت سعيدالأعضب» كيف كنا نتسابق زملاء الحرف على طرح السؤال تلو الآخر.. ! نتسابق للفوز بمعرفة حقيقة تاريخ الثورة من فم دعرة التي أنهكها العمر. ولم تنصفها الثورة منذ تفجرها ، قبل ذلك التكريم.. سألتها : كيف نرى الوطن في رحاب الثورة؟ ابتسمت رحمة الله تغشاها وردت بالقول : «يا أولادي فكروا بالحاضر بدلاً عن الرجوع إلى أيام انتهت ولن تعود.. اليوم أنتم أبناء الثورة.. انتصروا لأهدافها.. واستمروا في بنائها.. وارفعوا رايتها بالعلم النافع والعمل المفيد الذي يعود على الأجيال بالخير والفائدة لم يكن لديها متسع من حديث.. لم يكن لدعرة رغبة في العودة إلى الوراء.. فذاكرتها لا تقوى على استرجاع الأمس بآلامه وأوجاعه.. تلك صورة حية لامرأة يمانية شاركت في تفجير الثورة والانتصار لها.. وكان لها ورفقاء دربها أن صنعوا لنا هذا الواقع الذي يتنكر له البعض اليوم مع سبق الإصرار والترصد.. صورة حقيقية يجهلها الكثير من أبناء الشعب لاسيما منهم قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية الذين أكدوا بما لا يدع مجالاً للشك عدم تعلمهم من دروس تاريخ الثورة ونضالات أبناء الوطن الشرفاء.. أو استلهامهم لمعنى الوفاء الثوري كما تعلمناه من دعرة في لحظات معدودات.. دعرة.. صورة حية نستدعيها اليوم لقراءة تاريخها النضالي المشرق.. ونتعلم منه كيف نحب الوطن.. كيف نرسم الحاضر ونصنع الغد.. وكيف نقتحم غمار مرحلة أخصب وأعذب.