من نافذة الطائرة، تلحظ سلّماً نورانياً يفيض بالحبور كما لو كان ختم الأمان والسلام يطبع ضمانه الأكيد على كل حضرموت، هو ضريح إمام المهاجرين وغرّة العلم وقبلة المعرفة وسر الولاية المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى، يرتبط بسلسلة النور إلى ذلك المقيم في قلب كل مؤمن زين الوجود وشرّف الله به الدنيا والآخرة. تربطني بتريم «35 كم من سيئون» علاقة روحية تزيد على ربع قرن؛ سببها القوي شيخي العلامة الإمام العارف بالله ابراهيم بن عمر بن عقيل باعلوي رحمة الله تغشاه، فما كان يمر درس في الفقه أو التفسير أو اللغة أو المعرفة الذوقية إلا ويذكر أهله في حضرموت. كان شديد التعلق والاستشهاد بكلام الإمام قطب الدعوة والإرشاد عبدالله بن علوي الحداد، والإمام العطاس والشاطري.. وكنت حينها أتصور «تريم» موطناً للشفق الجميل قبل الغروب وعند الصبح إذا تنفس. تريم تنهض كباقي مدن حضرموت بعد الوحدة ترتبط بشبكة طرق حديثة، تربطها بالشمال والجنوب والغرب والشرق، وتنتظر نشاط مجلسها المحلي لتأخذ نصيبها من نفحات الوحدة المباركة، وتزدهر الآن كمركز علمي تستعيد نهضتها من القرون الماضية لتمد العالم الإسلامي وعالم الفكر معاً. فعشرات من طلاب العلم الشرعي من كل مكان "أمريكا، يريطانيا، اندونيسيا، ماليزيا، المغرب" يقصدون مسجد المصطفى الذي يمكن أن يكون رديفاً لجامع القرويين في فاس، والزيتونة في تونس، والأزهر في مصر، فطلابه يتميزون بالوسطية، ويكرس الحب والسلام باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة للوصول بالخطاب الإسلامي إلى عقول وقلوب الناس. بالمناسبة كان لعلماء حضرموت فضل هداية ستين مليون مسلم في جزر الهند الشرقية بحسب ما ذكره الأديب صالح الحامد في كتابه «رحلة جاوا الجميلة» تريم للدراسات والنشر 2002م. تريم تتميز بنسيمها العليل وسكون طباع أهلها، وهي كباقي مدن حضرموت توصف بالنظافة وأناقة أهلها وحبهم للوداعة والهدوء. في مقام العلماء الأجلاء الفقيه المقدم، الإمام الحداد، الإمام العيدروس، وأبوبكر سالم في «عينات» يفخر اليمني بنفوذه المعرفي في كل الدنيا