أن يعلن ما يسمى بتنظيم القاعدة مسئوليته عن استهداف السياح الأجانب من خلال العمل الإرهابي الأخير الذي شهدته بلادنا، فهذا الفعل يدفعنا إلى اليقين أن بلادنا في دائرة الاستهداف المنظم، وأن ثمة أطرافاً إقليمية ودولية تستغل المعاناة اليمنية والأزمات والتصرفات الحمقى للبعض لفرض وصايتها على بلادنا وعلى تحولاتها ومسارها، وهو فعل لم يكن بعيداً عن الذاكرة ولكن البعيد هو أن تأتي هذه الأفعال بهذه الوقاحة والسفور، خاصة ونحن ندرك أن ما يسمى بتنظيم القاعدة لا يعمل ضمن خارطة ذاتية عابرة، ولكنه يعمل وفق إيحاء ممنهج ومخطط له ومعد ضمن دائرة محورية؛ هذا التنظيم لديها مجرد أداة من كثير من الأدوات التي تسخّرها هذه المحاور وتتحكم بها وبنشاطها، وهذا ما يجب أن ندرك حقائقه، كما علينا أن ندرك أن هذا العمل الإجرامي لم يخرج عن سياق أجندة الاستهداف لليمن وهي أجندة حافلة بالحماقات والتصرفات وتتكامل مع الأفعال الإرهابية أفعال أخرى تشهدها الساحة الوطنية بدءاً من ثقافة التجهيل وإثارة النعرات والنزعات التي يستخدمها البعض في محاولة بائسة ويائسة لتمزيق أواصر النسيج الاجتماعي الوطني مروراً بموقف سلبي هلامي تعيشه الفعاليات المعارضة التي ترى كل ما يستهدف الوطن بأنه فعل ضد النظام السياسي، وبما أنه كذلك فهي ترحب به وإن لم ترحب تعمد إلى التغاضي والتجاهل وكأن الأمر لا يعنيها. وهي - أي المعارضة - غالباً إذا ما تكرمت بإدانة أي فعل إجرامي فإنها تحبط الطرق والوسائل والأساليب المتاحة لمعالجته، وهكذا دواليك تسهم الفعاليات المعارضة بقدر كبير من الأزمات وديمومتها، من خلال مواقفها وخطابها الإعلامي. أضف لمثل هذا مواقف بعض منظمات المجتمع المدني أو التي تعمل تحت هذا الاسم وغالبها عبارة عن أوكار للتجسس وهي أخطر بكثير من المعارضة والفتنة والتمرد؛ لأننا على الأقل نعرف أن التمرد تمرد، والفتنة فتنة، ونعرف أبطالهما وأهدافهما، لكن هناك أفعال مشينة وخطيرة تمارسها بعض منظمات المجتمع المدني التي تستغل المناخ الوطني العام والحرية المتاحة في العمل على تقويض السكينة وبث ثقافة تناهض كل قيم الولاء والانتماء والهوية وحقائق المسار والوجود الحضاري الوطني، بل تعمل مثل هذه المنظمات ودون أن تلفت الأنظار على ترويج وتسويق الكثير من القيم والمفاهيم الانعزالية والعنصرية وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد والعمل على نكء الكثير من جراحات الماضي وتسويق كل ما من شأنه تعزيز خيارات الحقد والكراهية والشتات وخلق مفاهيم وتوظيف مفردات جميعها تصب في خدمة مخطط استهداف الوطن والتحولات. بيد أن إعلان تنظيم القاعدة وتبنيه مسئولية الفعل الإجرامي الذي استهدف الزوار والضيوف الأجانب لبلادنا وهو فعل لا يمكن أن يقوم به رجل أو جماعة يعرفون أبجديات قيم الإسلام فما بالكم بجماعة تدعي زوراً أنها تدافع عن الدين وهي أبعد ما تكون عن الدين وعن رسول الله الذي يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وأين قيم الدين وأخلاق الرسول الكريم من هؤلاء القتلة الذين نصبّوا من أنفسهم زوراً وكلاء لله في الأرض، وهذا في الظاهر لكن ما خفي هو أن هؤلاء قتلة محترفون ومجاميع من المرتزقة يقتلون الآمن والمسالم والأعزل والضيف الوافد إلى ديار المسلمين، فيما هم لم يوجهوا طوال حياتهم وتاريخهم رصاصة واحدة تجاه العدو الصهيوني..!!. لقد كان ما يسمى بتنظيم القاعدة وحتى الأمس القريب عبارة عن مجاميع من المرتزقة جندتهم ودربتهم المخابرات الأمريكية والبريطانية ودفعتهم لقتال السوفيت في أفغانستان قبل أن يخرج السوفيت منها ومن ثم تقع بيد أمريكا وقبل أن يتدافع الأفغان لبيع المجاهدين بمبالغ خيالية لواشنطن ولبعض الأجهزة الاستخبارية الغربية والأمريكية، وقال الشعب الأفغاني في هؤلاء المجاهدين ما لم يقله مالك في الخمر.. وعلى إثر هذا التغيير وبعد أن تحول المجاهدون، المزعومون إلى إرهابيين لم يوجّه هؤلاء رصاصهم لا لصدور أعداء الأمة ولا لمن يحتل أرضها ويدنس مقدساتها، بل اتجه فطاحلة الكذب والتضليل والكهانة والدروشة بنيرانهم نحو المدن العربية الآمنة والمسالمة ونحو كل مسالم زائر وسائح أو مثقف باحث عن الحقيقة أو يحملها لتنوير الجهلة بشيء منها. حتى أمريكا العدو المزعوم لم يطالوها بعد تلك الفعلة الشنيعة في منهاتن والتي كشفت الحقائق أن الدنيا كلها كانت تعلم بها وبأبطالها وموعدها وهدفها، لكن الكل تجاهل قصداً العمل على وقفها لأنها كانت رغبة واشنطن، وهي من سخرت تنظيم القاعدة ودفعته لتلك العملية. وغداً سيعرف العالم حقيقة ارتباط هذا التنظيم ورموزه وأبطاله بأجهزة واشنطن، بدليل أن العراق فجأة غدت مسرحاً لتنظيم القاعدة ولم يقل لنا العالم كيف تحول الشعب العراقي والجيش العراقي السابق وأجهزته وحزب قوامه خمسة ملايين من بني آدم، وهؤلاء جميعاً تحولوا خلال ساعات إلى تنظيم قاعدة وفق الرغبة الأمريكية، وحتى لا تنال المقاومة العراقية دعماً أو مساندة من أي طرف، وهكذا وجدنا تنظيم القاعدة في العراق أكثر منه في أفغانستان وهو فعل محير لكنه مصدق وفق المنهج الأمريكي وثقافة رعاة البقر. فإذا ما حاولنا ربط هذا الإعلان الصادر عمّا يسمى بالقاعدة، فإن الجرائم التي ترتكب في بلادنا بدءاً من التهريب والتهرب والفساد والهجرة غير الشرعية القادمة من دول القرن الأفريقي مروراً بأزمات أمنية وسياسية وثقافية واقتصادية وفتن وإثارة للنعرات والمفاهيم الطائفية والمناطقية والانعزالية وكل هذه التداعيات التي تمر بها بلادنا سنجد في الغالب ترابطاً منطقياً بين كل هذه التداعيات وتوافقاً بين رموزها وأبطالها، وبالتالي فإن تنظيم القاعدة هنا مجرد «عبد مأمور» كما هم جماعة المقبور الحوثي، وكذلك كما هو حال زعماء النضال السلمي المزعوم الذي يريدون لنضالهم أن يأخذ طريقه حتى وإن تم تحويل الوطن إلى دويلات قبلية متناحرة بذريعة احترام قرار الجماهير وجماهير هذا الفعل والراغبين به عبارة عن شلة رضعت من حليب العمالة والارتهان، وعاشت أجيرة لدى الأجهزة البريطانية .. حتى حين كانت موسكو هي القبلة لبعض من هؤلاء.. كان جهاز ال (m6) البريطاني يتلقى التقارير بصفة يومية وربما خلال الساعات ولايزال ولاء هؤلاء قائماً لبريطانيا لأنهم ومنذ الطفولة يدينون لها بالولاء والطاعة. كل هؤلاء ومعهم تنظيم القاعدة هم سبب كل هذه التداعيات التي يعيشها شعبنا، لكن كل ذلك لن ينال منا ولن يهزم مسارنا، بل سيفضح الله كل هؤلاء القتلة عما قريب..!!