قد يكون للدولة حق في مداراة السوق بالسياسة التي ترتئيها، فتدعم سلعة أو ترفع الدعم عن أخرى، أو ترضخ لقائمة سعرية جديدة، فتلك مسألة مرتبطة ببرامجها، إلاّ أن للمواطن حقاً أيضاً في فهم مبررات الإقدام على أي إجراء!! طوال ما يقارب 72 ساعة والحديث يدور في كل مكان من العاصمة عن رفع سعر الرغيف إلى عشرين ريالاً.. البعض يؤكد، والآخر ينفي، وقسم ثالث يحلف بأغلظ الأيمان أنه اشترى الرغيف بعشرين، فيما وسائل الإعلام، وفي زحمة الاشاعات، ظلت بين متجاهل وبين من غمز أو همز بالخبر على حياء.. لكن بعد 72 ساعة تقريباً من إشاعة الخبر خرج تصريح في موقع إخباري تؤكد فيه الحكومة أنها وبالاتفاق مع الأفران أقرت رفع سعر الرغيف إلى عشرين ريالاً مقابل زيادة وزنه. ربما سأحسد وزارة الصناعة والتجارة على هذه الشفافية في التعاطي مع القضايا الوطنية الحساسة التي ترتبط بقوت كل مواطن تطأ قدماه أرض اليمن.. فهل يعقل أن نكون في عصر الثورة المعلوماتية، وفي بلد الحريات الإعلامية ونترك المواطن نهباً للشارع ليسمع قرارات الحكومة بشأن رغيف خبزه اليومي من أحد الركاب في الباص، أو داخل بوفية شاي - وكل يضيف للخبر «البهارات» التي ستطيب نكهته!؟ نتساءل بين يدي الإخوة المسئولين في وزارة الصناعة والتجارة والجهات ذات العلاقة: يا ترى لماذا تعمل القيادة السياسية على تعزيز الديمقراطية والحريات والحقوق الإنسانية؟! هل هي للتظاهرات والمسيرات والمناكفات الصحافية وحسب، أم أنها لتنمية الحياة المؤسسية والعلاقة التنموية وفرص بناء الدولة!؟ أليست الديمقراطية تعزز الشراكة الوطنية من خلال الشفافية المتبعة من قبل الجميع!؟ إذن لماذا تعطلت الديمقراطية والشفافية حين تعلق الأمر بالرغيف!؟نعتقد أن من حق المواطن الإحساس بالالتزام والتعاطي الذي تكنه الجهات الرسمية له وهي تقدم على قرار رفع سعر الرغيف إلى الضعف.. فكم سيكون حكيماً موقف وزارة الصناعة والتجارة لو خصصت للموضوع ندوة تلفزيونية يتحدث خلالها المسئولون عن مبررات الإقدام على القرار، وأهميته، وفائدته بالنسبة للمواطن طالما هو مقرون بزيادة في وزن الرغيف. إن أهمية الشفافية والمكاشفة لا تكمن فقط في تجسيدها للاحترام المتبادل بين الجهات الرسمية والمواطن بل أيضاً في قطع الطريق على المزايدين والانتهازيين الذين يتخذون من هذه الأخطاء الحكومية الفادحة فرصة لبث القلق وزعزعة أمن واستقرار الساحة الوطنية.. علاوة على أهميته في تعزيز الثقة بالدولة. للأسف الشديد إننا تفاجأنا بالمسئول الحكومي بعد 72 ساعة من شروع بعض الأفران برفع سعر الرغيف، إنه يتحدث عن اتفاق تم قبل أيام بين مختلف أطراف العلاقة دون أن يتم إذاعته بوسائل الإعلام الرسمية رغم أن وزارة الداخلية نفسها تبث أخبار لقاءاتها واجتماعاتها الأمنية الداخلية والخارجية! المفاجأة الثانية: أن الإخوة في الوزارة كشفوا لأول مرة أن وزن الرغيف (أبو عشرة) لم يكن يتعدى (40) غراماً، مع أننا جميعاً نحتفظ ببيانات سابقة للوزارة تحدد فيها وزن الرغيف (70) غراماً.. فهل كنا مخدوعين طوال الأشهر الماضية، وكانت الأفران تسرقنا (30) غراماً من كل رغيف وبعلم الدولة؟! السؤال الأهم من كل هذا وذاك هو: هل بوسع وزارة الصناعة والتجارة ضمان بقاء الرغيف الجديد (أبو عشرين) بوزن (100) غرام كما أعلنت، أم أنها ستضطر بعد أشهر لمكاشفتنا بأن الوزن كان (60 أو 70) غراماً وأنها مضطرة لرفع السعر إلى (25) ريالاً، أسوة بالبيض، وزيادة الوزن عشرين غراماً؟! ربما أن أكثر ما نحتاجه في الوقت الحاضر هو أن نتعلم ممارسة الشفافية والصدق من بعض مؤسسات الدولة قبل أن نتعلمها من المقرات الحزبية..!