للمنافق ثلاث صفات قبيحة وذميمة بكل ما تعنيه الكلمة من محرمات مادية وروحية، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية تمثل الفساد بكل معانيه ومساوئه العاجلة والآجلة وهي «إذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا خاصم فجر».. فهو مستعد للكذب الأسود الهادف إلى خداع الناس وتضليلهم والدفع بهم إلى مواقف وأعمال دامية ومدمرة ومهلكة، وهو مستعد إلى الخيانة بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو مستعد إلى الإفراط والتفريط في خصوماته وثاراته ومكايداته ومزايداته؛ لا يتورع عن زج الأمة في الصراعات والحروب الدامية والمدمرة التي لا تخلّف للشعوب سوى الذكريات المأساوية الأليمة والمحزنة للدماء والدمار والدموع. المنافقون هم حفنة من عشاق الانتهازية الذين يقولون عكس ما يعملون، ويعملون عكس ما يقولون، باطنيون لا موقف لهم ولا قضية.. ولا وطنية لهم ولا قيم لهم ولا أخلاق، حذّر منهم الرسول الأعظم ودعا الإنسانية المؤمنة إلى عدم مخالطتهم وعدم الثقة بهم وعدم التعامل معهم نظراً لما يضمرونه من باطن يتناقض مع الظاهر إلى حد التضاد المخيف مما ينذر به ويحتمله من عواقب كارثية وخيمة. هذا النوع من البشر الذين يسكن الحقد والشر قلوبهم وعقولهم وعلاقاتهم ونواياهم لا يستطيعون البلوغ إلى ما لديهم من أهداف دامية ومدرة للفضيلة إلا من خلال التوظيف المقلوب والمعكوس للحقائق المدمرة لأجمل ما في اللغة وأفضل ما في الألوان من ظاهر مزخرف يخفي خلفه باطناً قبيحاً وذميماً وكريهاً إلى حدٍ لا يطاق ولا يحتمل عبر ما للإنسان من طاقات وقدرات سياسية وأخلاقية ونفسية على المجاملة والمرونة الموجبة للتحمل والصبر. إنهم أي المنافقون أنواع وأشكال يتعددون ويتنوعون في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجمل مواقفهم وعلاقاتهم الدائمة التغيير تبعاً لما تمليه عليهم مصالحهم الخاصة؛ لا ثوابت لديهم ولا مبادئ ولا مثل قيمية وأخلاقية وثورية نبيلة على الإطلاق. لا يستطيعون الامتناع عن النفاق في حياتهم الخاصة وحياتهم العامة؛ لأن للكذب وللخيانة وللفجور مكونات متأصلة في ثقافاتهم وسلوكياتهم العدوانية والأنانية، وفي مجمل أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم السياسية والاجتماعية، تجدهم على الدوام في موقع العداء للصدق وللأمانة وللتسامح، أقرب إلى الرذيلة منهم إلى الفضيلة، وأقرب إلى النار منهم إلى الجنة، وأقرب إلى الشر منهم إلى الخير، ونزعات التدمير والهدم والقتل لديهم هي الغالبة، بل قل إنها دينهم وديدنهم التي يقتلون بها الصدق والأمانة والإخلاص والتسامح. تكمن خطورتهم على مجتمعاتهم وجماعاتهم الأسرية والعشائرية والقبلية والحزبية والمذهبية بما يمتلكون من قدرات على التلوّن والتقلب في سلسلة من المزايدات والمكايدات والمناكفات ذات الظاهر المتناقض مع الباطن، لا قدرة لأحد على حصرهم والدخول في الحرب غير المتكافئة معهم لأنهم الأقدر على المناورة والظهور في أجمل الأوصاف وأقدر العبقريات بحكم ما لديهم من المواهب والملكات الشيطانية التي تؤهلهم لكسب الأعوان والأنصار وتقدم الصفوف بعض الوقت وكل الوقت. لا يستطيع المتضررون منهم أن يكتشفوا عيوبهم وأمراضهم إلا بعد وقت من التجربة والممارسة بعد أن تكون شوكتهم قد امتلكت من القوة ومن السلطة ومن النفوذ ما يجعل الانتصار عليهم في غاية الصعوبة خصوصاً أنهم يتخذون من التقية قوة للنيل من خصومهم الأقوياء والأذكياء. المنافقون بشكل عام، والمنافقون السياسيون بشكل خاص هم الذين توعّدهم الله في حياتهم التي تركت للشريعة القائمة على التلبس بما هو ظاهر من الجرم نوعين من العقوبات العاجلة والآجلة بعد مماتهم المرتبطة بما اقترفوه في ظاهرهم وباطنهم من الجرائم والذنوب التي تصيبهم بما هو ضعيف من الأوزان حسب قوله تعالى: «وأما من خفّت موازينه فأمه هاوية، وما أدراك ماهية نار حامية». إنهم في حالة جاهزية دائمة للاستفادة الذاتية حتى لو اقتضت منهم الإفراط والتفريط والإباحة والاستباحة والضرر والإضرار بكل ما له علاقة بالصدق والأمانة والتسامح، لأنهم حفنة من الكذابين والخونة والحاقدين الذين لا إيمان لهم ولا أمانة ولا ذمة لهم ولا عهد ولا فضيلة لهم ولا طهارة ولا موقف لهم ولا قضية، ولا ثوابت لهم ولا قيم تردعهم عن الإضرار بالشعوب. غايتهم الانتصار لما في أنفسهم من الشرور والأطماع العدوانية الأنانية الرافضة للخير، وغير المستعدة للتقيد بالواجب في معركة السباق إلى الحق مع الآخر في العلاقة التنافسية الثنائية. يعتقدون خطأً أنهم الأذكى والأكثر قدرة على الخداع والمناورة في تعاملهم مع شعوبهم ومع من حولهم، يقتلون القتيل ويتقدمون الصفوف الأولى لحملة الجنازة، ويتقنون التصنع فيما يذرفون عليه دموع التماسيح التي تؤهلهم لاستدرار العواطف العمياء وتصرف عنهم الأنظار إلى حين من الاشتباه الناتج عن المقارنات وجمع الاستدلالات المقارنة. إنهم أصحاب تقية باطنية قادرة على الانتصار الدائم للتكتيك على الاستراتيجية آفة كل العصور وآفة كل العلاقات وآفة كل الثورات والمسيرات التاريخية العظيمة مهما عرضتهم التجارب العلمية والعملية للتساقط فيما يديرونه للآخرين من الخدع والمؤامرات الهادفة إلى اصطيادهم بما لديهم من المستنقعات الآسنة إلا أنهم الأقدر على استبدال الأساليب المكشوفة والمرفوضة بالأساليب المستترة والمقبولة. لا تكاد أية مسيرة من المسيرات الثورية العظيمة تخلو من وجودهم ومن شرورهم العدوانية الهدامة، ولا يكاد أي عصر من العصور التاريخية القديمة والوسطية والحديثة والمعاصرة يخلو من وجودهم القبيح. المعركة معهم بلا بداية وبلا نهاية، بلا زمان وبلا مكان، بلا أول وبلا آخر؛ لأنهم آفة كل العصور وآفة كل العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يفسدون في موقع الحكم، ويفسدون في موقع المعارضة، هدفهم المزيد من السلطة والمزيد من الثروة، ولكن بأساليب باطنية تتنافى مع قوانين السماء وقوانين الأرض، ولا مجال فيها على الإطلاق للانسجام والتناغم بين ما هو رائع وظاهر من المواقف الكاذبة والزائفة وبين ما هو مروع من المواقف الأنانية ومن السلوكيات المبتذلة والقبيحة.