كان الجدري من زمان ومن قبله وباء الطاعون من أفتك الأمراض وأشدها رعباً وقسوة على الإنسان، فكان فضل الله عظيماً على الإنسان أن يسر له سبل الخلاص منهما عندما تقدمت العلوم الطبية، فكان لدور التحصين ووسائل الوقاية شرف اجتثاث الوبائين من الكرة الأرضية. ثم كانت الحصبة والسعال الديكي والكزاز وشلل الأطفال والسحائي وداء الكبد الوبائي وغيرها يحصد الأرواح، ومن كان ينجو من الموت تستقبله التشوهات في الأطراف أو الجهاز التنفسي أو العته.. فجاءت العلوم الطبية تسبقها مشيئة الله وعنايته سبحانه وتعالى، فتم استئصال هذه الأمراض الفتاكة من خارطة الأرض إلاَّ فيما ندر من البلدان المتخلفة. وها هي الدراجات النارية «الموتورات» تطل بشبحها الكريه، تقوم بالأدوار كلها، وكأنها تتباهى وهي تستعرض هيئتها بأنها تفوق خطورتها كل الأمراض القاتلة، بما فيها مرض السرطان فالدراجات النارية اليوم هي أعتى وسيلة من وسائل القتل، ومن يشك في ذلك فليتوجه إلى أقسام الاسعاف في المستشفيات التي تستقبل الحوادث وليسأل رجال المرور، ويسأل أقسام الجراحة في المستشفيات.. غير تلك الحوادث التي لا تحتاج أن تصل إلى أقسام الاسعاف، حيث قضى أصحابها نحبهم في أماكنهم. كما إن الموتورات النارية صارت اليوم أبشع وسيلة من وسائل الإعاقة والتشوهات البدنية والعقلية.. «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».. وكم سيكون مفيداً لو أن جامعاتنا تضطلع بهذا الدور الوطني والإنساني والديني في إجراء البحوثات والاستقصاءات لمعرفة حجم المشكلة الحقيقي على مستوى اليمن، خصوصاً في المحافظات التي تتكاثر فيها الدراجات النارية تكاثر الذباب، مثل محافظة تعز والحديدة وغيرهما من محافظات الجمهورية.. وهنيئاً لصنعاء وعدن خلوهما من هذا الوباء الكاسح، وشَكَرَ اللهُ سعيَ كل الذين تنبهوا لخطر الموتورات فمنعوا استخدامها وتداولها في محافظاتهم، وكان الله في عون تعز والحديدة فيما هم عليه من صبر وتجلد في تحمل ضنك الإزعاج المتواصل الذي يصم الآذان وضنك الدخان وضنك التحرش بالسيارات وبالأفراد وما ينشأ عن ذلك من تصادم سيارة بأخرى أو خروج سيارة عن خطها لتصدم المارة، فكم من طفل وكم من امرأة وكم من جازع طريق أو عابر سبيل وجد نفسه ضحية انحراف سيارة عن مسارها أو يفاجأ بموتور قفز فوقه فأرداه. وكم هي كثيرة وبغيضة ومهلكة عندما لا يرى الناس الموتورات عندما تكون مختبئة في محاذات السيارات أو خلفها، فإذا بها فجأة «تمرق» من هذا الجنب أو ذاك كأنها أجسام مردة من الشياطين كم هي الذنوب جسيمة التي يتحملها مستوردو هذه الأجسام الشيطانية..!! ألا ليتهم يكفون عن استيراد هذه الآفات التي لا تقل خطورة عن الأمراض الستة أو السبعة القاتلة، وسوف يجدون التعويض كاملاً غير منقوص عند من يملك تعويضهم في الرزق فيضاعف لهم رزقهم وفي الولد وفي راحة النفس.. أما إذا أصروا على ابقاء هذا النوع من التجارة وقد علموا أضرارها على الناس، فإنهم لا يجب أن يلوموا إلاَّ أنفسهم إذا انقلبت تجارتهم إلى خسارة أو تعرضوا هم أنفسهم أو أحد أفراد أسرتهم لخطر داهم من تلك الأخطار التي يتعرض لها سائر الناس. وأرجو أن يكون مجتمعنا أو البعض منهم قد تنبهوا إلى أن هناك أمراضاً أخلاقية وسلوكية صارت تدهم معظم الشباب الذين يشتغلون كسائقين لهذه الموتورات، فقد صارت أخلاقهم مميزة من حيث السوء.. فاستمع إلى ألفاظهم ومفردات قواميسهم ، لاحظ مروقهم من جنبك سواء كنت راجلاً أم راكباً.. تأمل كيف يمسكون بالسجارة أو بالجوال لاحظ كيف يتمايلون ويتقصعون فوق دراجاتهم بطريقة منفرة ومقززة وخالية من أي شعور بالمسئولية تجاه سلامتهم أو سلامة من يركب معهم فهل بعد هذا كله تسمح لابنك أو أخيك أو أي عزيز تحبه وتكن له الود والتقدير أن يشتغل سائق دراجة نارية..؟! ألا تظنوا معي أن الله قادر أن يرزق هؤلاء الشباب الذين نزعم أنهم «يطلبون الله» على أنفسهم ويعولون أسرهم برزق هو أفضل مما هو في أيديهم ويرزقهم فوق هذا وذاك السلامة والسكينة وراحة البال.. ألا فليتذكر من يريد أن يتعظ أنه «ليس في كل مرة تسلم الجرة»..... وقد جرب الكثيرون فنجى البعض لأنه اتعظ وندم البعض الآخر لأنه عاند وظن أنه ليس معنياً بما يحصل لسائر الناس.. وأنه مستثنى من أن يجد نفسه في يوم من الأيام أحد الضحايا في المستشفى أو المقبرة أو أنه يوصل غيره إلى المستشفى أو إلى حافة الموت ليتهم يعلمون أن المثل القائل: «نهاية المحنش للحنش» هو أصدق مثل لما يجري من حوادث مؤسفة لأصحاب الموتورات، بل أيضاً يتجاوز خطرها ليودي بحياة ضحايا آخرين من الركاب أو الآمنين في الطريق ولو لم يكن لهذه الكائنات النارية من مساوىء، سوى أنها صارت اليوم وسيلة للتحرش بالفتيات أثناء سيرهن من وإلى المدارس أو الأسواق من قبل أولئك الذين لا حياء لهم ولا أخلاق، لكان ذلك كافياً ومبرراً لمنع الدراجات النارية منعاً قاطعاً. وإذا كانت الدراجات النارية تعول بعض الأسر، فقد ساعدت على هدم الحياة لأسر أخرى وهدم الأخلاق في صفوف الكثيرين من الشباب.