عنوان المقالة قد يكون مستفزاً لأحزاب المشترك، وقد يرى فيه القارئ مبالغة وهجوماً غير مبرر على هذه الأحزاب، لكن علينا قبل الحكم أن نقرأ هذه المقالة حتى نهايتها، لنتأكد من صحة هذه الأطروحة من خطئها، وهنا أؤكد أن أحزاب المشترك ليس لديها خطة لتخريب الهوية ونشر الفساد، ولكن خطابها السياسي وطريقة نضالها يقودان إلى ما يناقض الشعارات المرفوعة، وهذا نتاج لهيمنة الأيديولوجيا على صانعي الخطاب، ونتيجة للهوس الذي يحكم منتجيه في الاستحواذ على السلطة. نعم خطاب المشترك يدمر الهوية الوطنية، ويفقد الناس ثقتهم بالقيم التي يدافع عنها الخطاب، فالاستراتيجية المعتمدة لدى منتجي الخطاب لا تهدف إلى بناء ثقافة سياسية محترفة، تساعد على الإصلاح والبناء والتعمير رغم الحمولات المثالية التي يتضمنها الخطاب بل تهدف تلك الاستراتيجية إلى تدمير صورة النخبة الحاكمة وتدمير ثقة الناس بالدولة ودستورها وقوانينها الناظمة لها بكل الطرق والوسائل. وحتى يحقق الخطاب أهدافه الاستراتيجية فإنه يمارس دعاية سوداء من خلال تحليلات وتفسيرات تبدو للقارئ العادي أو لمن يجهل الواقع السياسي اليمني، أنها تحليلات محايدة وتعبير عن واقع الحال، أما المتفحص فلابد أن يكتشف عند تفكيك الخطاب أنها عبارة عن تحليلات غاضبة قائمة على الكراهية والحقد والعقائد الإيديولوجية التي تحكم أحزابه، لذا فهي لا تفسر الواقع كما هو، ولكنها تحاول فرض الرؤية والمواقف والعقائد التي تحكم عقل منتجيه. والدعاية السوداء يتم ممارستها أيضاً من خلال متابعة أحداث الواقع اليومية، والذي من المفترض أن يتم عرضها كأخبار محايدة، إلا أن المتابع لابد أن يلاحظ أن أوعية الخطاب ومنتجيه تعيد صياغة الأخبار بما يخدم استراتيجية التشويه والتدمير لصورة الحاكم وإظهار ان الدولة لا وجود لها وأن ثقافة الغابة هي المسيطرة. مع ملاحظة أن المعلومات التي يوردها الخطاب عند تفسيره للواقع لدعم رؤيته عادة ما تكون قائمة على الحدس والخيال الواسع، وفبركة المعلومات وتوظيفها بطريقة تخدم أهداف الخطاب، وعادة ما يتم استعراض التفسيرات بلغة عاطفية غاضبة. والخطاب أثناء فهمه للواقع يعتمد على الاتهامات لذا عادة ما يوزع صكوك الفساد والمناطقية والقبليّة والتآمر على قيادات الحكم وبكل مناسبة، وفي العادة لا يخلو التحليل من تصوير أعضاء المؤتمرعلى أنهم مجموعات انتهازية لا همّ لها إلا إشباع مصالحهم الأنانية، وكل الاتهامات تقدم دون أدلة؛ بل استناداً إلى تحليلات عائمة تعسفية لا تنسجم مع منطق العقل والواقع. ومن يتأثر بهذا الخطاب غالباً ما يفقد ثقته بالدولة وبالقيادات وبالقيم التي يتم الدفاع عنها، وهم في الغالب أفراد ثقافتهم السياسية ضعيفة ويجهلون طبيعة الصراع السياسي، وما يعمق من فقدان الحس الوطني لدى المتأثر هو تناقض الخطاب الذي ينتجه المشترك مع واقع أحزاب المشترك، فعلى مستوى السلوك الفعلي تتم ممارسة السلوكيات التي يتم اتهام الحاكم بها من مناطقية إلى اعتماد على القبيلة، إلى ممارسة الفساد. السؤال المهم : كيف ساعد خطاب المشترك على تدمير الهوية وجعل الفساد مقبولاً؟!. ان الهجوم على الحاكم وتدمير صورته وتكوين انطباع لدى المتلقي سواء كان مواطناً عادياً أو مناضلاً داخل أطر المشترك أو موظفاً عاماً في الدولة أو في القطاع الخاص أن الفساد هو الحاكم لكل شيء، وأن كل السياسات لا فائدة منها، ونتيجة قناعة كل الأطراف ان الحاكم من القوة التي تجعل قوة المشترك أمامه هزيلة، ونتيجة قناعتهم أن المشترك لا يمكنه ان يقود التغيير، وأن قوى الفساد تستغل الصراع السياسي وضغط المشترك على الحكم لخدمة أجندتها، كل ذلك جعل الأطراف تقتنع ان الفساد هو الطريق لتحقيق المصالح، بما في ذلك منتجو الخطاب أنفسهم. وهنا لابد من ملاحظة أن القوى الخيرة في منظومة الحكم نتيجة خوفها من خطاب يهدد وجودها وينفي شرعيتها ويتهمها بكل عيب ومدعوم بحركات سياسية نابذة للدولة ومتحدية لشرعية النظام السياسي، فإن ذلك غالباً ما يجعلها مجبرة على تأجيل معركتها الفاصلة مع الفساد. وما يعقد أمر مواجهة قوى الفساد أن هذه القوى عند مقاومتها ومحاصرتها في ظل معارضة يغلب عليها شهوة السلطة، وفي ظل تنامي قوى فوضوية نابذة للوحدة الوطنية، فإن القوى الفاسدة تلجأ إلى خطاب معارض فوضوي وعادة ما تدعم خطابها بالتهديد بالعنف واختلاق المشاكل، وما يزيد الطين بلة أن قوى المشترك تتفاعل مع خطاب القوى الفاسدة وتمنحها صكوك الشجاعة والوطنية وتوظيف قوتها في مغالبة الحاكم. إلى ذلك ما يعمق الإشكالية ان المتابع يلاحظ التناقضات التي يعاني منها المشترك ويدرك أهدافه وطبيعة القيادات المهيمنة عليه فأغلبها عاش الفساد ومارسه ومازال، وبعض الأعضاء الفاعلين في هذه الأحزاب هم جزء من بنية الفساد، وهذه الأحزاب أثناء تفاعلها مع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي فإنها تنتج رؤى تدعم الفساد وثقافته وتضعف الدولة الوطنية وتدعم الولاءات الدنيا وتؤسس لثقافة العنف. إلى ذلك أدى تركيز المشترك على البعد المناطقي في النضال على مستوى الخطاب اليومي المتداول وفي الخطاب الصحفي الغاضب، وأيضاًً تركيزهم المبالغ فيه على البعد المادي والمواقع السلطوية في المؤسسات في صراعهم مع الحاكم، إضافة إلى الكراهية والحقد التي تظهر بوضوح لدى البعض، والمبالغة في وصف الواقع بالسوء، كل ذلك أدى إلى إضعاف ثقافة الدولة وثقافة الالتزام بالنظام والقانون، وبدأ يسيطر وعي يتعامل مع الدولة كغنيمة ليس لدى الجمهور بل أيضاً لدى أغلب النشطاء السياسيين في الحكم والمعارضة. كل ذلك يجعل الناس على قناعة ان تغيير الحال من المحال، وان الانتهازية هي شعار العصر، وفي هذه الحالة يقبل المناضل السياسي والمواطن العادي الفساد كواقع لا فكاك منه، ومع الوقت يفقد إيمانه بالقيم ويعتقد أن الشعارات ليست إلا أدوات انتهازية لتحقيق المصالح. ومع تعاظم النزعة الاستهلاكية بفعل تأثير العولمة أصبح الفرد المسّيس يناضل وهو مقتنع ان الأنانية مسيطرة على أفراد المجتمع، وان الشعارات السياسية لدى الحاكم ومعارضيه ليست إلا أدوات تبريرية لتحقيق مصالح الذات الفردية، وهذا أضر كثيراً بالقيم التي يدافع عنها المتنافسون على السلطة. ويمكن القول أيضاً إن الخطاب المبشر بانهيار الدولة وقرب سقوط النظام قد شجع القوى السياسية النابذة للدولة والمتحدية لشرعية النظام ان تتجه نحو العنف، مع التأكيد أن التعبئة التي يوظفها المشترك في صراعه مع الحاكم قد شدّت من أزر تلك القوى وأوصلتها إلى قناعات بطريقة غير مباشرة أن المواجهة بالسلاح تمثل الحل الأسلم. مع ملاحظة أن الذي عمق من إضعاف الهوية الوطنية ونشر ثقافة الفساد، أن خطاب المشترك يعمل في بيئة قيم الدولة وقيم العيش المشترك مازالت ضعيفة لدى أغلب المناضلين السياسيين؛ ناهيك ان الثقافة الشعبية التي يهيمن عليها الوعي القبلي مازالت تتعامل مع الدولة كغنيمة ومن الواضح أن الثقافة الشعبية لم تستوعب بعد أبسط قيم الدولة المعاصرة. والمحصلة النهائية أن الخطاب المتحدي للقيادة وللدولة وبطريقة غوغائية لم يساعد على ترسيخ القيم التي يحاول الخطاب المعارض الإيحاء أن نضاله من أجلها، بل أدى إلى نفي تلك القيم، لأن الخطاب جعل من القيم أدوات في الصراع من أجل تضخيم المصالح الأنانية للأفراد أو للتيارات السياسية. والمتابع سيجد أن الخطاب كلما تضخم في ثوريته وكراهيته فإن الفرد يبدأ يفقد ثقته بالدولة ومؤسساتها، ويصبح الالتزام بالواجبات تجاه الدولة دليل قلة حكمة وسذاجة، ويصبح الفرد على قناعة أن الحكمة تقتضي أن يناضل من أجل ذاته ومصالحها وبأية طريقة، وفي ظل هذه الوضعية يتضخم لديه اعتقاد أن حمايته لا يمكن ان تكون بدولة فاسدة كما يصفها المشترك بل بجماعة قبلية أو مناطقية أو حزبية، وهنا تصبح الدولة محلاً للغنيمة ليس إلا. الخاسر الأكبر هو المواطن العادي والنخب العاملة في الدولة والمساندة للسياسات العامة للحاكم وأيضاً المعارضة المناضلة ذات النزوع الوطني من نخب مثقفة وقوى اجتماعية مصالحها متوافقة مع بناء دولة يمنية معاصرة.