البحث الفريد الذي قدمه البروفيسور " دوميتري كيكان" بعنوان " إنسان مابعد الإنسان " ينطوي على إمساك مُمْعن بجمرة متقدة حارقة، وبصدقية وصفاء مغروسين في أساس ذائقة معرفية وذوقية تتصل بعلوم الديانات والفلسفة والتاريخ والفنون، وبلغة عربية تستعيد وهج الوشيجة التناسخية البناءة بين لغة المؤلف الرومانية واستعرابه الواضح بياناً وبديعاً واجتهاداً، وهذا ليس بأمر مستغرب، فالمستعرب المستشرق دوميتري كيكان كان من أوائل مُترجمي المعلقات الجاهلية إلى اللغة الرومانية، كما تمرّغ مديداً في الزمن الإبداعي والحياتي للعالم العربي كسفير فوق العادة وممثل لبلاده في أكثر من محطة، وآخرها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تولى فيها منصب سفير فوق العادة لدولته. يتصدى كيكان في هذا المؤلف لجملة التعاميم النمطية الاستنسابية عن الإسلام والعرب، متصدياً لها بمنطق برهاني واضح المعالم، وبلغة وسطية باحثة عن نقطة اللقاء المؤكد بين الديانات والحضارات، بدلاً عن التنافي والالغاء المُتبادل، وهو بهذا الصنيع يسهم في ترصيف الطريق لرؤية إنسانية بناءة، مُعرباً عن رفضه المبدئي لمشاريع الهيمنة والتعالي على الخصوصيات الدينية والقومية، سواء كانت مشاريع سافرة فاقعة، أو مًنمقة مخملية . مابعد الإنسان هو ذلك الوعد الكارثي الذي يقرأ المابعديات التاريخية بوصفها حالة قطيعة إجرائية وممارسية لما كان في الماضي، وهي قراءة تتنكّر للجذر الأول للبشرية السوية المتروحنة أساساً، وتعتد بنظريات القوة والعنف والتغيير المستمر. مابعد الانسان ترميز للوحشية السافرة التي تخلع عن الذات البشرية قيمتها الحقيقية وترمي بالإنسان في لجة المُهلكات التي بسطها الإمام محمد بن حامد الغزالي في استقرائه لكيمياء السعادة .