هذا هو العنوان الرئيسي لندوة فكرية أسهم فيها كوكبة من المفكرين العرب والمستعربين وهم الاستاذ الدكتور حسن حنفي صاحب الباع الطويل في التنوير والترشيد للتجديد الفكري .. أستاذ الفلسفة الذي كان ومازال على تماس حميم مع الذائقة الثقافية الأوربية, بقدر حضوره الكبير في الفكر العربي الإسلامي. أيضا الاستاذ المستشرق المستعرب الدكتور دوميتري كيكان من رومانيا والذي اسهم بقدر وافر في تعميم الكلاسيكيات الثقافية العربية وترجمتها إلى اللغة الرومانية, فيما تنقل كثيراً بين البلدان العربية كدارس ودبلوماسي, وكذا الاستاذ الدكتور فؤاد الشطي وهو المعروف برؤيته الإسلامية المستنيرة وقدرته الاستثنائية على تلمس القيم المشتركة بين الماضي والمستقبل على قاعدة الترشيد والعقلانية. اتسع الحوار لاسهام جوهري قدمه الدكتور حسن حنفي في مستويات ثلاثة تنتمي إلى المستقبل : • المستوى الأول يتعلق بإعادة تقييم التراث تقييماً نقدياً يتوخّى التجديد .. وقد حدد خياره الرائي في تجديد علوم الدنيا .. كما فعل الإمام الغزالي الذي قام بتجديد علوم الدين, فإذا كان الكلام العربي الإسلامي دافع عن صفاء التوحيد ونقائه, فإن على الفقه المعاصر أن يدافع عن فاعلية الإسلام في الدنيا, وأن ينبري لجملة الأسئلة الشائكة التي تواجه العقل الإسلامي . • الثانية تتعلق بالغرب .. فالغرب حالة إشكالية تلتبس بعلاقات تاريخية خاصة مع العالم العربي, فمن الغرب جاءت الغزوات الصليبية, ومعه نشترك في منابت الديانات الإبراهيمية, ومنه كانت الحقبة الاستعمارية, وإليه لجأنا أكثر من قرنين نترجم ونقرأ عنه ونقر بأسبقيته في العلم .. ثم إن الغرب اجترح علم الاستشراق , فلماذا لا نجترح علماً للاستغراب وندرس الغرب من داخله كفاعلين لا متلقين سلبيين؟ • النقطة الثالثة تعلق بادراك ماهية وميزات الدين الإسلامي الذي يختلف عن الديانات الإبراهيمية السابقة ( اليهودية والمسيحية), من حيث إن الإسلام يقوم على تنزيه الذات الإلهية , واستبعاد الأشكال الطقوسية الممعنة, وعوضاً عن ذلك النظر إلى مقاصد العبادة, فالصلاة تذكرنا بقيمة الوقت, والصيام ليس معناه مجرد الاستغناء عن الطعام والشراب, والطريق إلى الحق سالك مفتوح لمن أراد أن يسلكه, والاعتراف بالديانات الإبراهيمية وغير الإبراهيمية واردة عند المسلمين, لأن الدين عند الله الإسلام, وأن القرآن الكريم قال بسير وتواريخ بعض الأنبياء , وأشار إلى الذين لم يذكروا في القرآن مما يعني افتراضياً, بل واستنتاجاً أن الله بعث في كل امة نبياً ورسولاً, وأن المذكورين في القران ليسوا إلا بعضاً من كل . قال تعالى : (( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص )) سورة الأنبياء . إن إقرار الإسلام بالديانات السابقة لا يعني أن الإسلام توليفة انتقائية من الديانات المختلفة, بل العكس , فالإسلام جوهر كلي اصلي , وحكم إلهي نافل.