في ديوانه الجديد “ صدى الايمان “ يطوف بنا الشاعر الدكتور بهجت الحديثي في أقاليم الشواهد والخفايا، فيما يتهادى مع أثير الكلمات وعوالم الروح ، رائياً .. ناظراً .. قائلاً .، متوتراً.. متواتراً .. وصاعداً في أساس وتضاعيف الجملة الشعرية المعبرة . ليست القافية والعمود الشعريان العتيدان قيمة في ذاتهما، بل إنهما متكأ للشعرية بمعناها الواسع، فلا أهمية هنا للشكل إن لم يكن سابحاً في فضاء الغنائية ونواميسها، ولا أهمية للقول إن لم يفتح فجوات الإبداع المُخاتلة التي تدور بالمعنى والمبنى، وتجعله مُحايثاً للقول السهل الممتنع، ولا تكمن موسيقى القصيدة في إيقاعها الصوتي المباشر، بل في جواهر مكنوناتها، وانتظام أنساقها ، وآماد بحارها . يقول لنا الشاعر كما قال الحكيم الصيني ذات يوم : دع مائة زهرة تتفتح .. دع مائة مدرسة فكرية تتبارى . ويقول أيضاً: في الشعر مُتّسع للماضي الجميل والحاضر الأجمل، وفي الحياة تدوير مؤكد للناموس الإلهي الذي جعل التنوع أساس الوحدة، والتوحد أساس التفارق، فمن لا يرى “ الجمع في عين الفرق “ تعصف به العواصف، وتبعده الحيرة الوجودية عن بهاء الزرقة وأقواس قزح . الدفق الغنائي لنصوص المجموعة تدعونا إلى الاسترخاء في مرابع الشعر العربي المخطوف بأبحر الخليل بن احمد الفراهيدي التي موسقت الشعر استناداً إلى تراتب الحركة والسكون، وأخضعت ميزانه لموسيقى اللغة صرفاً وكتابةً، وكانت وما زالت ملمحاً فريداً في الخصوصية الشعرية العربية . وفي أُفق آخر نتوقف مع الديوان على ثوابت المرجعيات الدينية الأخلاقية والقومية، فيما نستشف مشهد الحقيقة القادمة من أعماق الغلالات والمتاعب والتحديات مما لا يخفى على أي لبيب يُعاصر الزمن العربي المنهك بالخرائب.