المستقبل المائي لليمن يبدو رمالاً جافة وظمأً يابساً على شفاه الغد وفي أفواه الجيل القادم .. إنه يستدعي إعلان حالة طوارئ واستنفار عاجل ، لوضع الحلول والحدود اللازمة ، صيانة لما تبقى في أحواض اليمن السعيد من ماء يوشك على العطش. بقراءة عابرة أو متفحصة لتقرير لجنة الزراعة والأسماك والموارد المائية في مجلس الشورى ، الصادر في مايو الماضي ، حول المياه الجوفية والمنشآت المائية ، يمكن للقارئ أن يمسك بخيوط الكارثة المائية القادمة وكيف أنها لن تبقي ولاتذر أخضر أو يابساً ، حرثاً أو نسلاً ، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه ، من حفر عشوائي للآبار الجوفية وعبث انشائي في السدود والحواجز ، التي تتكدس في كثير من المديريات والمحافظات ، كلوحات تذكارية ، ليس إلاّ. مشاريع تنموية باهظة أنفقت عليها الدولة الملايين استشعاراً منها لمعنى الماء ومسؤوليتها في حفظه وصيانته للأجيال القادمة التي قد تجد ماءها غوراً بعد أن أرقنا نحن كل ماء معين ، بإسراف شيطاني رجيم.ستلعننا عليه الأجيال والسهول والجبال.. التقرير كونه صادراً عن مجلس الشورى ، لا يختلف عن غيره من التقارير . فيه جرأة ومكاشفة .. وفيه أسى وصرخات ، لابد على الحكومة أن تنصت إليها جيداً ، وتشمّر عن ساعدها لتبدأ فوراً العمل بتوصياته الشوروية الحكيمة من أجل الوطن أولاً والوطن ثانياً، إن الحروب والأزمات القادمة على امتداد هذا الكون ، لن تكون على حقل نفط أو منجم ذهب ، بل إنها ستندلع على بئر الماء ، على كل قطرة صغيرة منه ، واليمن بلد يوشك حوضه المائي على الظمأ ، وثمة تحذيرات دولية بهذا الخصوص ، تدعو إلى ضرورة الوقوف بجدية إزاء الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ، وحذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من عدم إسرافه ولو كنا على شاطئ نهر ، إنه الحياة، أو أنّ الحياة هو ، سيّان! عشرات المئات من الآبار العشوائية التي يتم حفرها بدون تراخيص رسمية وفي غسق الليل أو عز النهار حيث لارقابة ولاعقاب .. آبار شخصية ومنزلية تستنزف ماء المستقبل وحياة الجميع ، دونما رادع ووازع. إن من يحفر بئراً عشوائية الآن ليس أقل خطراً وإرهاباً ممن يقتل سائحاً أو ينسف مسجداً أو مدرسة ، لذلك لابد من قانون صارم حازم ، يضرب بيدين من حديد وفولاذ على رأس كل من تسول له نفسه حفر بئر عشوائي أو العبث بمنشأة مائية ، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة اتخاذ الدولة اجراءات عقابية قاسية ضد كل المقاولين الذين أوكلت إليهم مناقصات انشاء الحواجز والسدود بمواصفات معينة، فإنشاؤها عبثاً ، وبدلاً من أن تحفظ الماء الثمين ، باتت مستنقعات تفرخ الملاريا والبعوض ، وتحفظ جثث الكلاب وطرش الجبال.