لا يتوقف الجدل المستمر حول شعرية النثر، وعلاقة الشعر بالنثر أيضاً، والشاهد أن هذا الجدل يتخطّى حدود المفاهيم إلى حد التشكيك في المُسميات كما هو الحال بالنسبة لمسمى “قصيدة النثر” ومهما يكن من أمر فإن هذا حوار حميد؛ لأنه يقف على طلول التاريخ كما الحاضر، ويستنطق جملة الأدوات النقدية الرائية للشعر والشعرية. وهنا لابد من الاستباق في تحديد طبيعة المشكلة وكونها مقرونة بفرضية أن للشعر موسيقى ضوابطه أبحُر الخليل بن أحمد الفراهيدي أو التفعيلة خارج تلك الأبحر، لكن هذه النظرة تستبعد إجرائياً أن يكون الكلام المنثور مموسقاً، وتبعاً لذلك لا ترى في موسيقى النص سوى تلك التي أصلّها واكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي ومن سار على دربه، وهكذا نعود مجدداً إلى “تميمة” الخليل بن أحمد التي جاءت من أساس الموسيقى المجردة، ومنها عرف الخليل أن تناوب الحركة والسكون في بيت الشعر العربي هو القاعدة الأكثر وضوحاً لموسيقى الشعر، لكن هذا التناوب ليس قاصراً على الشعر كما تظهر الخوارزميات الصوتية والرياضية الجبرية. فالحرف بذاته حمّال بُعد صوتي موسيقي، وعلاقة الحروف ببعضها تكشف جبرية الموسيقى التناوبية بين المتحرك والساكن فيما يمكن أن نسميه “توقيع اللغة” إلى ذلك تتّسق الحروف مع بعضها مُشكلةً الكلمة، التي بدورها تتّصل بالجملة ضمن موازين صوتية ودلالية محددة. نستطيع القول هنا: إن موسيقى الشعر سمة للشعرية بمعناها الواسع، لا يخرج عن ذلك كل نص غنائي حتى وإن كان خارج التأطير المفاهيمي التاريخي للشعر العربي.. وللحديث صلة.