لا يخرج النص عن القوانين الجبرية التي أسلفت ، فإذا أخذنا النص المكتوب ، مثلا ً، فإنه محكوم بقوانين هندسية بصرية ، موسيقية صوتية ،لا مفر لها من الانتظام في إطار الجبر، فإذا كتبت كلمة فإن ميزانها الصوتي يستقيم على تناوب الحركة والسكون تناوباً موسيقياً جبرياً ، مثل : مستفعلن ، فعلن ، مستفعلن ، فعلُ .. و بذلك نجد أن الميزان الصرفي و الموسيقي الصوتي متناغماً ومضبوطاً بالأوكتافات الموسيقية التقليدية، فماذا يعني هذا ، إن لم يكن جبراً ؟ و إذا خرجنا من ذلك فإننا ننشّز، و ميزان النشاز في الصوتيات و المرئيات ميزان واحد ، فعازف الموسيقى لا يستطيع خرق السلم الموسيقي لأنه إذا فعل ينشز، غير أنه يستطيع ، في إطار السلم الواحد ، أن ينوع و أن يعمل تنغيمات و حواش و نمنمات، لكنه لا يستطيع أن يخرج من السلم بأي حال من الأحوال . يتجاذب منظرو الشعر والشعرية حول مفهوم الميزان الموسيقي الشعري، ويقول أنصار الشعرية المُجيّرة على التفعيلة.. إن جُل ما وصل إليه أنصار شعر التفعيلة أنهم ظلوا يناورون ويدارون عند تخوم ستة أبحر فقط ، فيما كان الخليل ابن احمد الفراهيدي أنجز ستة عشر بحراً شعرياً، وبالمقابل يقول أنصار قصيدة النثر إن شعرية الشعر المنثور تكمن في إيقاعاته التي تتجاوز الصوت والسماع إلى الحواس المختلفة ، فالناثر الذي يُشعرن نثره يتجاوز موسيقى الخليل والتفعيلة معاً. هذه المناقشة تتحول أحياناً إلى نوع من التجاذب الجدالي البيزنطي، وينسى أنصار الشعر المفارق للقافية والتفعيلة أن انجاز الشعرية المتصلة بالموسيقى الكُلّية للوجود ليس أمراً سهل المنال، وأن استنطاق الشعرية في النص المنثور أمر دونه الخوارق والدروب الشاقة ، وأن شرط الشروط ، ومقدمة المقدمات تكمن في أساس الموسيقى الخليلية، وما يتصل بها من تنويعات حرة على التفعيلة . بالمقابل بعض أنصار القالب الموسيقي الخليلي يرون إن هذا القالب ليس كافياً ليكون الشعر شعراً، خاصة عندما يلتبس بالنظم البسيط واللغة الركيكة، مما نجد له شواهد سابقة ومعاصرة . [email protected]