تقاليد وعادات في معظم الدواوين الحكومية صارت راسخة وثابتة قد تعارف عليها القوم وتواصوا بها وسار عليها المتأخرون اقتداء بمن سبقهم من المتقدمين ومن شاء أن يتعرف على هذه العادات والتقاليد فليذهب بنفسه إلى هذه المؤسسات الخدمية بغرض إنجاز عمل ما، أو إتمام معاملة يذهب إلى القسم المختص يسأل عن الموظف الموكل إليه تسهيل إجراءات المواطنين في إتمام معاملاتهم فماذا يجد؟! قد يساعده الحظ في أن يستقبله موظف ملتزم ومخلص في عمله، ذو أخلاق وشعور بالمسئولية لكن أمثال هؤلاء نادرون فالغالبية من الموظفين يستقبل الواحد منهم يومه ليس في مكتبه وإنما في أقرب بوفية أو مطعم لبيع الفول والفاصولية ، فيأخذ راحته في تناول وجبة «الصبوح» والذين لايفعلون ذلك يشتركون في استدعاء وجبة «الصبوح» إلى مكاتبهم جماعات أو فرادى فيؤتى «بالمدرة» ليجتمع عليها المشاركون ولا بأس أن ينضم إليهم بعض الزوار أو المتطفلين الذين يجدونها فرصة سانحة في اختطاف بعض اللقيمات التي قد تثير أعصاب واحد من المشاركين في المائدة فينظر إليه شزراً لكي يزحزحه لكنه يحاول عبثاً . يحكى أن طفيلياً دخل على قوم يأكلون: فقال: ماتأكلون؟ فقالوا من بغضه: نأكل سماً، فقعد ليأكل معهم وقال: الحياة بعدكم حرام. وقد يشارك في مائدة «الصبوح» بعض الذين جاءوا لإتمام معاملاتهم يشاركون في الجلوس حول «المدرة» تملقاً أو نفاقاً لهؤلاء الموظفين الذين تتفاوت درجاتهم من حامل اختام إلى ماسك دفتر السجلات إلى النائب وربما المدير نفسه حيث يكون هو ضيف الشرف المستديم أو يكون هو صاحب القرى تقرباً لموظفيه إذا كان طموحاً وصاحب مشاريع مستقبلية.. في الغالب يشارك الكل في دفع قيمة «المدرة» ثم يأتى بعد ذلك الدور على كل منهم كي يستعيد مادفعه لأن «المرتب» لايكفى أن يخصم منه قيمة «المدرة» أو أي تكاليف أخرى خصوصاً إذا كان من الموالعة والمدخنين وأصحاب المزاج!! وخصوصاً إذا كانت «المدرة» باهظة التكاليف مثل تلك «المدر» التي يضاف إليها السمك المشوي والسحاوق بالجبن البلدي فمن أين لماسك الأختام أو دفتر السجلات أو صاحب الأرشيف..من أين لهم تغطية كل هذه التكاليف؟! من هنا تأتي الفكرة والحاجة أم الاختراع..ومادمنا لانخترع في ميادين الآلة والتكنولوجيا فإن نشاط هؤلاء الموظفين يتجه نحو اختراعات أخرى متعددة تضر بمصالح الناس وتسيء إلى سمعة الوطن وتضيف كآبة وقسوة إلى مشاعر المواطنين وتثقل كواهل أصحاب الحرف الصغيرة وأرباب المشاريع الكبيرة ولكن كيف؟ هؤلاء «الماسكون» للدفاتر والأختام بالإضافة إلى مسئوليات أخرى تناط بهم تمكنهم من الاتصال بالمدير أو الوكيل أو الوزير أو ماشئت من مواقع المسئولية فإن بإمكانهم إنجاز المعاملات في مثل سرعة البرق..كما أنه بإمكانهم أن يضعوا العراقيل ويمطوا المعاملات ويتلكؤوا ماشاء لهم التلكؤ وذلك حسب الهدف من هذا التلكؤ!! فإذا لم يتحقق هذا الهدف فعلى صاحب الحاجة أن ينتظر حتى ليظن أن نفسه قد بلغت الحلقوم..ولامانع لدى هؤلاء الموظفين أن يموت صاحبهم كمداً أو قهراً ولايهمهم أن يكون موسراً أو معسراً..المهم أنه لابد مما ليس منه بد. أنت تريد رخصة بناء على سبيل المثال أو تريد توصيل كهرباء أو تليفون أو أن تحصل على عداد الماء بدلاً عن ذلك الذي سرقه اللصوص المحترفون أو المستجدون الذين أخذ عددهم يتزايد خصوصاً في السطو على عدادات المياه الجديدة التي لم يمض على تزويد المنازل بها إلا شهور قلائل فإذا بالبعض منها يختفي بدون أمل لاسترجاعها فأنت بحاجة إلى الاتصال بدوائر الأمن والشرطة وبمؤسسات المياه وتحتاج إلى من يقف إلى جانبك ويجبر خاطرك ويخفف عنك أعباء المصيبة أو المحنة التي وجدت نفسك تعاني منها بدون جريرة ارتكبتها أو خطأ اقترفته فلا تجد سوى أمثال هؤلاء الموظفين يزيدونك هماً على هم ونكداً على نكد..أنت لاتجد إلاَّ أصحاب هذه الوجوه المتعددة.. منهم من يعيش بوجهين ومنهم من يعيش بأكثر من ذلك، فإن قابلوك بوجه سمح في الصباح فلا تأمن أن يقابلوك بوجه متجهم في وسط النهار، إن بعضهم أتى من القاع ويأبى إلاَّ أن يظل في موقعه طوال عمره.. وفي أقوالنا المأثورة لايوجد في الحياة رجل فاشل ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقي فيه. هؤلاء الذين نتحدث عنهم هم أبناؤنا وإخواننا وأقاربنا ومواطنونا، وليس الغرض من الكتابة هو التشهير بهم وإنما الغرض هو التقويم. إن أمثال هؤلاء بحاجة إلى تربية صحيحة وتوجيه سليم ومتابعة واعية.. فماذا ينتظر المجتمع من شاب أو فتاة لم يتلقيا أي قسط أو قدر من حسن التربية والتوجيه لا في المنزل ولا في المدرسة ولا في الشارع حيث تكثر الأوبئة الاجتماعية والثقافية؟! فإذا أردنا التغيير علينا أن نبدأ من الآن وضع منهج تعليمي تربوي يستمد روحه ومعانيه من روح التعاليم الإسلامية بما تمثله من قيم أخلاقية وسلوكية.