القليلون من موظفي الدولة هم الملتزمون بالمحافظة على أوقات الدوام الرسمي، والقليلون منهم الذين يؤدون أعمالهم بأمانة وفاعلية واقتدار ، والقليلون جداً هم الذين يؤدون أعمالهم بإخلاص وتفانٍ أما القلة النادرة فهم أولئك المبدعون .. فما أقل المبدعين في حسن الأداء وفي تسيير العمل الإداري في الوظائف المختلفة.. ماأقل المبدعين في حسن الأداء في تنفيذ القوانين الإدارية وتطبيق اللوائح ذات العلاقة بمصالح الناس في دواوين الحكومة والخاصة بتسهيل المعاملات وتخفيف الأعباء عن المواطنين، الذين صاروا يواجهون ألواناً وأنواعاً لاحصر لها من الصعوبات والعراقيل يضعها أمامهم صغار الموظفين من ماسكي الأختام والسجلات والدفاتر ومن أمناء الصناديق، حيث صار العرف السائد المتعارف عليه في الكثير من هذه الدواوين هو تعقيد المسائل على المواطن حتى يدفع أجرة من يفتح له الكتاب وأجرة من ينظر له في السجلات وأجرة من يضع له الأختام وأجرة دخول ورقته للمدير العام وأجرة خروج المعاملات من لدن الوزير أو الوكيل أو المدير العام وكأن المرتب الذي يتقاضاه الموظف من الدولة إنما هو مجرد«بقشيش» مقابل مايقوم به من إنهاك وإحباط وعراقيل لكل من كانت له مسألة أو قضية أو حاجة لدى واحدة من هذه الدوائر والمواقع الوظيفية المختلفة التي ترعاها الدولة وتصرف من أجل بقائها مفيدة ونافعة الملايين من حملتها من أجل تسهيل أمور المواطنين أو رحمة بهم وربما تكريماً لهم، لأنهم«أي المواطنين» هم الذين يدفعون الضرائب ويدفعون حق الزكاة وحق فواتير المياه التي لاتصلهم إلا عدة أيام في العام الواحد وفواتير الكهرباء التي تظهر وتختفي كأنها الزئبق ويدفعون أجرة العسكري أو أجرة الطقم إذا ماحمي الوطيس في معارك الأسواق والأحياء حيث يكثر الشجار وينشب الخلاف وتحتدم المعارك لأتفه الأمور وأوهى الأسباب وذلك كله لأسباب كثيرة وعوامل متعددة يأتي في مقدمتها رداءة الموظفين في المواقع المختلفة من أولئك الذين لم يجدوا مسؤولاً «مصلي على النبي» يوجههم التوجيه السليم والصحيح في التعامل مع وظائفهم وحسن التعامل مع أصحاب الحاجات بل ربما يكون المسؤول هو نفسه الذي يقف خلف كل مانراه ونشاهد من عيوب وتشوهات ومخالفات إدارية ووظيفية يمارسها صغار الموظفين . ومادام قد ورد في بداية المقال أن القليلين هم الملتزمون في المحافظة على أوقات الدوام الرسمي ويؤدون أعمالهم بأمانة وفاعلية واقتدار وإخلاص وتفان وأن القلة النادرة هم المبدعون فإن الكلام يظل ناقصاً حتى يقال إن الكثرة هم غير ذلك.. فمن بينهم الكسالى والخاملون بسبب الفوضى في حياتهم وقلة النوم، فهم يسهرون كثيراً، فقد ذهب القات براحتهم وهدوئهم وسكينتهم فباتوا في شر حال ينفخون قهراً وندماً على تلك الساعات الثمينة من الليل التي يمضونها في تقلب على الفراش يرفعون جنباً ويضعون آخر، يشبعون مراقدهم ركلاً بأرجلهم وضرباً بأيديهم!! فما أكلفهم على ذلك؟ حتى إذا حان وقت صلاة الفجر أقبل إبليس بعدته وعتاده يساعدهم على إغلاق جفونهم وارتخاء عضلاتهم فيذهبون في نوم أشبه بالغيبوبة، فإذا حان وقت العمل أخذ إبليس مكانه فوق جفونهم، يهمس في آذانهم : ارقدوا، ناموا.. فالعمل موجود لن يهرب منكم والأيام أيام عيد، والإجازة غير الرسمية لم تنتهِ بعد، الناس كلهم رقود من الوزير إلى الوكيل إلى المديرين!! فلماذا أنتم بالذات تزعجون أنفسكم في النهوض من مرقدكم؟! خليكم راقدين اليوم وغداً وبعد غد، فالعيد لم ينتهِ بعد وإذا انتهى العيد فسبلته باقية وهي بطول الفراش الذي تنامون عليه أو أكثر طولاً.. وهكذا يظل إبليس يهمس في آذان الخاملين والكسالى من رعاياه وأصحابه ورفاقه.. أما ذوو الهمم العالية والعزائم القوية والإرادات الصلبة والنفوس الطموحة فإن أبالسة الدنيا كلها لاتستطيع أن تثنيهم عن صلاة الفجر أو الاستيقاظ الصحي والسليم في الوقت المناسب ليكونوا في مكاتبهم أو مواقفهم قبل أن تدق ساعة العمل بعدة دقائق مؤكدين للناس جميعاً أن العيد ليس له سبلة.. وإنما السبلة في الحقيقة هي سبلة إبليس سواءً في أيام الأعياد أم في أيام الدوام الرسمي لجميع الموظفين.