يأتي اجتياح موجة الغلاء للعالم اليوم ليضيف هماً جديداً بعد ثقب الأوزن وارتفاع حرارة الأرض وشحة الموارد المائية والحروب. وقد انعكس أثر ذلك مباشرة على الدول الفقيرة التي تعاني أصلاً مشاكل داخلية خاصة البلدان الأفريقية، ولم يقتصر الغلاء على الوقود فقط وإنما امتد إلى الغذاء الذي لا غنى لأي كائن حي عنه، واليمن إحدى الدول التي يظهر أثر الغلاء فيها جلياً ، فارتفاع أسعار المواد الغذائية رفع معدلات الفقر إلى نسبة كبيرة بحسب التقارير الدولية الأخيرة وقد بدأ تقلص الطبقة المتوسطة منذ سنوات انتهى بها إلى التلاشي تقريباً وهي التي كانت تمثل حركة النشاط الاجتماعي في البلد. ويجب الاعتراف أن هناك عوامل أخرى أسهمت في الوصول إلى هذه النتيجة منها تراجع معدلات النمو الاقتصادي وسوء التخطيط والفساد حسب التقارير غير أننا نعتقد أن جشع الدول المتقدمة الغنية كان له أكبر الأثر في ذلك فقد اتهمت ليبيا الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها وراء ارتفاع أسعار النفط، وأكدت الدول المصدرة للنفط أن المضاربين والسماسرة في الدول الكبرى هم وراء هذا الارتفاع غير المبرر خاصة في فصل الصيف الذي تقل فيه معدلات الطلب على النفط. وبالرغم من زيادة السعودية لإنتاجها لمواجهة الغلاء إلا أن سعر البرميل وصل إلى 041 دولاراً في نيويورك مما يؤكد وجود أيد خفية وراء هذا الارتفاع ، وقد سارعت الدول الكبرى بعد دعوة الأممالمتحدة لها للإسهام لمواجهة الغلاء إلى إنشاء صندوق لدعم الغذاء العالمي بعدد من المليارات هي أقل بكثير مما تنفقه هذه البلدان على الحروب والمغامرات غير المحسوبة هنا وهناك، ومع ذلك لا يجب تحميل الدول الكبرى وحدها مشكلة الغذاء فالدول العربية والإسلامية تتحمل جزءً من المسؤولية عما آلت إليه الأمور فهي لم تعد نفسها لمواجهة مثل هذه الأحوال بل لم تفكر في استثمار جزء من عائداتها النفطية في المجال الزراعي مع إمكانية ذلك في الماضي والحاضر والمستقبل. ولعل الوقت لم يفت إذ يمكن وضع استراتيجية حقيقية لحل هذه المشكلة على مدى سنوات قليلة الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل الاعتماد على الخارج الذي يتلاعب بالغذاء وأسعاره حسب مصالحه، فتحويل الغذاء إلى طاقة حيوية لمواجهة غلاء النفط حيلة مكشوفة حيث إن الطاقة يمكن استخراجها من مصادر أخرى غير الغذاء وبأقل كلفة كالشمس والرياح وغيرها. وإنما الهدف هو تحميل الدول المنتجة للنفط مسؤولية ارتفاع الوقود، وأعتقد أن على دول العالم الثالث والإسلامية على وجه الخصوص استغلال الموارد المائية والأراضي الخصبة في بعض دولها لصناعة نوع من التكامل على الأقل في الغذاء، الأمر الذي سيؤدي مستقبلاً إلى تشابك مصالح هذه الدول ينتهي بها إلى التكامل في مجالات أخرى، وقد أكثر العلماء والمفكرون من الدعوة إلى هذا التكامل وكانت فكرة البنك الإسلامي الدولي للاستثمار إحدى نتائج هذه الدعوات، اليوم لا نحتاج لتحقيق هذا الهدف سوى قرار سياسي شجاع ورعاية من جامعة العرب ومؤتمرهم الإسلامي فليس مستحيلاً أبداً أن يتحقق هذا وما هو على الله ببعيد .