لا تتفرد الملكة فيكتوريا بكونها أكثر الملكات عمراً في الحكم، حيث ظلت على عرش انجلترا 64 عاماً، بل لأن فترة حكمها اقترن بالمجد الكبير لبريطانيا التي أصبحت “ الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس”، في إشارة إلى امتدادها الجغرافي من الهند إلى انجلترا، ومن جنوب افريقيا إلى استراليا، وصولاً إلى القارة الأمريكية، وضمّت إلى أملاكها الهند الكبرى وسلسة من المستعمرات المنتشرة في آسيا وافريقيا. خلال حكمها اجترحت الملكة فيكتوريا سلسلة من المآثر التي لم تكن معهودة في تلك الأيام، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إلغاء الرق، وتكريس نظام الشورى البرلماني، والتواصل مع الشعب، والاقتصاد في صرفيات البيت الملكي، وعدم تسليم اللاجئ سياسياً والمستجير إنسانياً. ولدت الملكة فيكتوريا عام 1819 وتوفت في 1901 متاخمةً قرناً جديداً وعالماً قادماً مُحتقناً بصراع الأوروبيين .. ذلك العالم الذي مهّد لمآسي الحربين الكونيتين اللاحقتين، واستحال فيها النصف الأول من القرن العشرين إلى أكبر محطة تاريخية للإبادة والقتل الجماعي وتدمير المدن، مما يمكن رصد مؤشراته الإحصائية في حصيلتي الحربين العالميتين الأولى والثانية . عندما بلغت الملكة فيكتوريا الواحدة والعشرين من عمرها كان لابد من التفكير جدياً في زواجها، لكن زواج الملكات في انجلترا القديمة كان له حساباته المعقدة، وهذا ماحدث. فقد وضع رئيس الوزراء “ ملبرن” جُملة من الشروط التعجيزية لزواج فيكتوريا، وقد رصد الكاتب الراحل رجاء النقاش تلك الشروط الغرائبية المطلوبة من زوج الملكة في ما يلي : أن يكون من سلالة ملكية وغير وارث لعرش ملكي، وغير مرجعي في حاكمية سابقة ! أن يكون أميراً .. لا صغير قليل الخبرة، ولا كبير مخضرم خطير !! أن يكون برتستانتياً فالكاثوليكياً لايمكنه أن يتزوج الملكة. أن يكون شاباً فتياً. ان يعرف اللغة الانجليزية أو يحسن تعلمها، وأن يكون قادراً على الإلمام بالعادات والتقاليد الانجليزية ، وما أدراك مدى صعوبة الالتزام بتلك الطقوس الإنجليزية الصعبة . أن يكون صحيح الجسم والتكوين ومن أصل أصيل ، وهنا المأزق الأكبر، فسلالة الأصلاء الأصيلين نادرين جداً في أوروبا أمام هذه الأحاجي التعجيزية ماكان أمام الملكة سوى اختيار ابن خالها “ البرت “ الذي تزوجها في عام 1840، وقد أحبته بشغف، وأخلصت له إلى أن وافته المنية بعد أن أنجبت له تسعة بنين وبنات، وقد كانت الملكة بلغت الثانية والأربعين من عمرها حين وفاة زوجها. الملكة فيكتوريا أثبتت وفاءً نادراً، وتمسكت بذكرى زوجها الراحل أربعين عاماً لبست فيه ثوب الحداد، لكن هذا الوفاء الظاهر لم يشفع لها عند عسس القصور الملكية ممن زعموا أنها كانت على علاقة غرامية بخادمها الأمين « بروان » وأنها عشقته كما لو كان زوجها، واستند أصحاب هذه التخريجة على ماورد في رسالة رثاء كتبتها الملكة بعد وفاة « بروان » وقالت فيها إن وفاة براون جعلها أرملة من جديد !. ليس بعيداً أن يختلف المفسرون لمغزى رسالة الرثاء تلك، لكن ما لا يختلف فيه الجميع أن فيكتوريا كانت ملكة رشيدة وحاكمة عادلة، اقترنت بمجد بريطانيا العظمى حتى إن عهدها سمي بالعهد الفيكتوري تخليداً لمآثرها.