جاءت بالفطرة أمنيات الصغار التي حفظناها وبقيت عالقة في الذاكرة وعبرت عن مدى الحب والولاء للمصلحة العامة والوطن ، منذ كنا صغاراً ، هناك من كان يتمنى أن يُصبح طبيباً كي يعالج المرضى والجرحى ويخفف من آلامهم ، وآخر يطمح أن يكون شرطياً أو طياراً يدافع عن تراب وطنه الغالي ويحمي أرواح الآخرين ، أو مزارعاً بجهده وعرقه يحرث الأرض ويزرع في كل بقعة شجرة يأكل الناس من خيراتها ، وهكذا كانت ولا زالت أمنيات الصغار تصب في خدمة الناس والوطن ممزوجة بين الحب الخالص النقي والولاء المطلق للوطن والصالح العام ، وهذا ما يبدو جلياً في أماني الصغار وأحلامهم المستقبلية ، لكن تتغير هذه الفطرة الخيرة عندما ينحرف بعض الناس ويبدأ البعض بالتحرر من المصلحة العامة ويميل نحو تحقيق مصلحته الخاصة وتتحطم كل القيم والمبادئ المثلى والقناعات الواضحة القوية على صخرة المصلحة الشخصية ويصبح كل شيء -تحقيقاً لمصلحته -جائزاً ومستساغاً متجاوزاً كل النظم الأخلاقيّة والقانونية يمارس فنون الخداع والتآمر والانتهازية ويدخل لعبة التجاذبات السياسية وينخر في عظام الوطن ويكون عبداً لمصلحته خاضعاً لقانون ( الأنا ) لا يشعر بالذنب تجاه أي فعل يقوم به أو أي ضرر يلحق بالآخرين . إن المصلحة العامة بما تعنيه من النفع التام والشامل معنوياً ومادياً والذي يعم الجماعة الكثيرة العدد ودفع الضرر والفساد اللاحق بهذه الجماعة ، تتناقض مع من يتمادى خلف الستار مستعرضاً غيرته وخوفه وحرصه عليها فيتجاوز خطوط النقد المنطقي ويكيل للطرف الآخر التهم ويعطي لنفسه المشروعية بما يدعي ويفعل باسم المجني عليها ( المصلحة العامة ) ويعلن البعض عن تأييدهم للعناصر التخريبية والمتمردة التي تستهدف أمن واستقرار البلاد متحدين إرادة الشعب وقياداته ، متشبثين بالمصلحة الشخصية متناسيين ما ترتكبه تلك العناصر الإجرامية من قتل ونهب بحق الوطن والمواطنين مما يوقعهم في فخ ازدواجية المواقف وتزييف القيم والظهور بوجهين مقابل الاستئثار واستغلال الظروف لشيوع الفوضى العارمة والخراب فيصبح الوطن تحت مخالبهم غنيمة سائغة لأعدائه في الداخل والخارج فينقضون عليه بلمح البصر ، لعل فتنة الحوثيين دليل واضح على ذلك . المصلحة العامة باتت اليوم عبارة تسويقية لمن يجيد الرقص على الحبال والتغني باسم الوطن والحرية ، هذا الادعاء لا يستمر طويلاً سرعان ما ينكشف لتبرز الاعتبارات الفردية ومجموعة من المصالح الخاصة التي تم تكريسها وتوظيفها وإلباسها ثوب الصالح العام لخدمة المصلحة الفردية، فكلما سنحت الفرصة هرولوا لتحريض الشارع ونفث سمومهم لمساندة قضاياهم في الفرقة والتناحر والتفكك التي تثير مشاعر البغضاء والغضب وتفتك بمعنويات الشعب نتيجة البلبلة والتلفيقات فتذهب الجهود والمساعي الفعّالة سدى . الوطن هذا المعنى الكبير ليس نشيداً نكرره كل صباح ورفع اليد لتحية العلم ، الوطن أرض وسماء وكيان وقلب ينبض بنا ، الوطن ليس مسؤولية فرد أو حزب أو منظمة بل مسؤولية الجميع مما يستوجب تضافر الجهود وإيقاف الدعوات التي لا تخدم الصالح العام ، وكل من تهمه المصلحة العامة عليه أن يتعرّى من حب الذات و يتجرد من كل هوى أثناء الحديث عن الوطن وقضاياه ، فالعام نقيض الخاص ولا تلتقي المصلحة العامة بالخاصة بل عليه أن يضع حدوداً فاصلة بينهما و التضحية بإحداهما على حساب الأخرى . وتجاوز الأوقات العصيبة سوياً صفاً واحداً ونكون على كلمة وهدف وروح واحدة لنعي الخطر المحدق بنا حفاظاً على مكانة وسمعة اليمن وتعزيزاً لوحدته الوطنية . دمت يا وطني شامخاً عزيزاً وحفظك الرحمن من كل حاقد .