الخلافات الأمريكيةالإيرانية ليست مُختزلة في المسألة النووية، وإن كانت هذا المسألة تُشكل رأس الذروة ضمن سلسلة من المواضيع الإقليمية الشائكة، والتي بدأت منذ عقود خلت، وبالترافق مع نظام الجمهورية الإسلامية حينما تهاوت المروحيات الأمريكية في عواصف الصحراء، ولم تنته بما يحدث الآن في العراق. قلنا إن المشكلة لا تُختصر في الموضوع النووي على أهميته، بل هنالك سلسلة من القضايا الخلافية العالقة بين الأمريكان والإيرانيين، وقد تمكنت إيران من تسجيل عديد النقاط التكتيكية لصالحها، ومن مفارقات القدر أن الإدارات الأميركية المُتعاقبة وفرت هذه الخدمة لنظام الجمهورية الإسلامية التي استفادت عملياً من سياسات المبادأة الاستراتيجية لإدارة بوش الابن ، وذلك بتخلصها دفعة واحدة من نظامي صدام وطالبان، وانطوى هذا التخلص على أبعاد متعددة ليس أولها الخلاف الأيديولوجي العقائدي التاريخي بين مؤسسة الملالي الإمامية ونظامي البعث وطالبان، بل أيضاً لأن هذا الأمر ساعد على تعاظم كيانية ومركزية إيران في الإقليم المجاور وامتداداته الافتراضية، ولهذا السبب جاءت الحماقة اليمينية الأمريكية بمثابة نار حامية على أعداء إيران المجاورين فيما كانت برداً وسلاماً على طهران، وهذا الأمر بالذات أزعج الإدارة الأمريكية وأشعرها بقهر دفين بعد أن اكتشفت على حين غفلة من الدهر أنها لعبت دور «حصان طروادة » لصالح الأجندة الأيديولوجية العقائدية للثورة الإسلامية الإيرانية، فانقلب السحر على الساحر، وبدلاً عن أن تكون إيران مطية التكتيك الأمريكي وقع العكس تماماً!!، خاصة وأن المرجعية الإيرانية الدولتية العقائدية الدينية لم تتزحزح قيد أنملة عن مواقفها وقناعاتها، بل ذهبت بعيداً في تنمية قوتها الإقليمية، وسجّلت أولويات منطقية في هذا الوجود، ابتداء من العراق، مروراً بلبنان، وحتى قطاع غزة. وقعت الإدارة الأمريكية بشر أعمالها؛ لأن ايران ليست في وارد التخلي عن أجندتها الخاصة، ولا يمكنها أن تسمح لها بتمرير مرئيات الشرق الأوسط الكبير والجديد دون عوائق . الإدارة الأمريكية لا تستهدف إيران؛ لأنها تسعى لبناء ترسانة نووية فقط، بل أيضا لأنها تحولت إلى عامل كبح وإقلاق مُستديمين للمخططات الأمريكية في المنطقة، وإذا أُضيف إلى كل ذلك الفوبيا اليهودية التاريخية فإن سلاح ايران النووي “ الافتراضي “ سيذكرنا بذريعة أسلحة الدمار الشامل العراقية، وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أقرب سيناريوهات الجنون لبعضها البعض، فالذي يخطط للحرب لايعدم الذريعة حتى وإن كانت على مقاس الحادي عشر من سبتمر !! .