يمكن قراءة المشهد النووي سلماً وحرباً عطفاً على مايجري الآن في إيران، فعلى المستوى الداخلي الإيراني وبالترافق مع صعود مجد السلطة الدينية وتقلّص الفارق الزمني والسياسي بينها والسلطة السياسية بنتيجة انتخاب الرئيس “احمدي نجاد” وتعزيز مواقع “الملالي” في البرلمان والأجهزة التنفيذية، فإن خيار التراجع الإيراني أصبح أبعد من أي وقت مضى، ولعل تطورات مابعد حربي العراق وأفغانستان وضعت الترمومتر السياسي الإيراني في محرقة المشاهدة الحزينة لمصائر الحربين وخسارات طهران المؤكدة، فالإدارة الأمريكية لم تكافئ إيران على سكوتها المقرون برغبة دفينة في تصفية الحسابات مع بعث العراق وراديكاليي طالبان، بل باشرت إثر الحربين هجوماً منسقاً، وبرنامجاً عملياً لمحاصرة إيران سياسياً، وهو الأمر الذي كانت نتيجته المباشرة تقوية التيار الأكثر تشدداً في طهران، ومن سخريات القدر أن إدارة بوش لم تُفلح في تقليص نفوذ الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بل عجّلت بمقدمات فتوته وتعملقه ابتداءً من إيران وحتى حركة “المحاكم الشرعية” في الصومال، كما إن استمرار التعنت الأمريكي ضد الأنظمة العربية من شأنه أن يعزز من مواقع الإسلام السياسي استناداً إلى كماشتي القهر الخارجي والداخلي التي تعيشها شعوب المنطقة العربية. القهر المقرون بالتماهي المطلق بين أمريكا واسرائيل ومايستتبعه من ظلم يومي فادح بحق الفلسطينيين العرب، والقهر المقرون باستبداد الأنظمة العربية . مرة أخرى واستطراداً على المقدمة نقول: إن إيران النووية المحتملة ستكون خليجية واقعياً، وبالتالي فإننا أقرب الناس إلى النيران الحامية لأي صدام قادم في المنطقة، وعلى المراقب العربي أن يضع في حسبانه هذا المؤشر الخطير، وأن نعمل سويّة على محاربة ثقافة الحرب المستعرة التي تتبناها أمريكا خدمة للخوف المرضي «الفوبيا» لليهودية المدمرة، ولقد آن الأوان لأن تنتهي “القطيعة الناعمة” غير المبررة بين طهران والعواصم العربية، بحثاً عن تشارك في الرؤية، وإقراراً بأن مصيرنا المشترك أهم من كل التفاصيل الصغيرة الأخرى.